السيرة النبوية
العطرة ورحلة ظهور الإسلام الحنيف
لا إله إلا الله ذى الجلال والإكرام وَصَلى اللهُ على سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى
آلِهِ وَصَحْبهِ وَآلهم وسَلم تسليما كثيرا على جميع المؤمنين والمؤمنات، اللهُمَّ
إني أقدِمُ إليكَ بَيْنَ يَدَي كُلِّ نفسٍ وَلمْحَةٍ وَطرْفةٍ يَطرِفُ بها أهلُ
السَّماواتِ وأهلُ الأرضِ وكُلِّ شيء هُوَ في عِلمِكَ كائِنٍ أو قد كانَ، أُقدِّمُ
إليك بين يَدَيْ ذلكَ كلِه حمداً وشكراً لك والحمدلله الذى نحمده ونشكره على بركة
ونعمة الدين الإسلامى الحنيف.
ولد نبي الرحمة
والرسول الكريم وخاتم النبيين وأشرف خلق الله المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم في يوم السابع عشرة من شهر ربيع الاول في عام الفيل (570م) وانه ولد صلى الله
عليه وسلم عند طلوع الفجر من يوم الجمعة بعد خمس وخمسين يوما من هلاك اصحاب الفيل.
وذكر الطبري ان مولده صلى الله عليه وآله وسلم كان في الاثنين واربعين سنة من ملك
انوشيروان، لقوله صلى الله عليه وسلم ولدت في زمن الملك العادل انو شيروان بن قباد
قاتل مزدك والزنادقة. نسبه هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
بن قصي بن كلاب بن مره بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر وينتهى نسب الرسول محمد عليه
الصلاة والسلام إلى إسماعيل عليه السلام اما أخواله من بني زهرة، فان أمّه آمنة
بنت وهب كانت منهم ويلتقي نسبه بنسبها عند كلاب بن مرة. تزوج والد النبى عبد الله
بن عبد المطلب بامنة بنت وهب ابن عبد ناف بن زهرة بن كلاب بن مرة زهي قرشية زهرية
وهى من احدى بيوت قريش، ، وبعد زواجهما ذهب عبد الله للتجارة الى بلاد الشام ولكنه
مرض وهو عائد الى مكة فذهب الى يثرب عند أخواله بني عدي بن النجار فمرض مدة شهر
ومن ثم مات ؛ ودفن في دار النابغة ويقال انه كان يبلغ من العمر الخامسة والعشرين
وبعض الاقوال الاخرى انه كان يبلغ الثامنة والعشرين من العمر وكانت حينها امنه
بالشهر الثاني من الحمل وبقيت آمنة بعد وفاة زوجها تسكن في مكة تحت رعاية عبد
المطلب وبعض المال الذي تركه لها زوجها. وحادثة عام الفيل وقد بينّها القرآن الكريم في قوله تعالى. (ألَمْ تَر كَيفَ فعَلَ ربُّك باصحاب الفيل) وخلاصة قصتها: ان أبرهة ملك الحبشة اراد هدم الكعبة، فساق امام
الجيش فيلاً عظيماً يقال له: محمود، فلما
وصل الفيل قرب مكة بَرَك ولم يمض مهما حاولوا معه، فلما عجزوا عادوا، الاّ أن طيور
أبابيل لم تتركهم سالمين فرمتهم بحجارة من سجيل واذلتهم فانهزموا شر هزيمة. هذه القصة مشهورة في كتب التاريخ وهي من علائم نبوته
صلى الله عليه وسلم حيث نَجتْ قِبلَتُه واحبّ موطن اليه، الكعبة، من دمار ابرهة
نجاة خارقة للعادة.
ولد النبي صلى الله عليه وسلم يتيما حيث ان توفي ابيه عبد الله بن عبد
المطلب.يقال في الأثر انه رضع من ثويبة (جارية عمه أبي لهب) وحليمة بنت أبي ذؤيب
السعدية.كانت حاضنة رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم) وكانت زوجة (الحارث بن
عبد العزى) كانت مدة الحضانة أربع أو خمس سنوات. اما كفالة الرسول تكفله جده
عبدالمطلب عند ولادته بعد ما مات والده وهو جنين عمره شهران، ماتت امه عنما بلغ
السادسة من عمره ومات جده عبدالمطلب عندما بلغ الثامنة من عمره، فكفله عمه أبو
طالب، وظل في رعايته إلى أن توفي قبل الهجرة إلى المدينة بنحو ثلاث سنوات.
وكانت ولادته في داره المباركة بمكة، وتقول امنة بنت وهب ام محمد صلى الله
عليه وسلم لما ولدت محمد وسقط الى الارض، ثم رفع راسه الى السماء فنظر اليها، ثم
خرج مني نورا اضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: انك قد ولدت سيد الناس
فسيمه محمدا، واتي عبد المطلب لينظر اليه وقد بلغه ما قالت امه، فاخذه فوضعه في
حجره ثم قال: الحمد لله الذي اعطاني هذا الغلام الطيب الاردان قد ساد في المهد على
الغلمان. وذكر أن أمه آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم
وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا، كما روي أنها سمعت هاتفا يهتف بها
قائلاً:"إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: إني أعيذه
بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمدا. ولما وضعته أمه خرج معه نور أضاء ما بين
المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة. ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب
تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل به الكعبة، ودعا اللَّه وشكر له، واختار له اسم
محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفاً في العرب. وروى أنه صلى الله عليه وسلم لقد ولد
معذورًا مسرورًا -أي مختونًا مقطوع السرة- وأنه كان يشير بإصبع يده كالمسبّح بها. ومن الآيات
التي ظهرت لمولده صلى الله عليه وآله وسلم أن الشياطين رميت وقذفت بالشهب من
السماء، وحُجب عنها خبر السماء كما ذكر بعض العلماء، لكن المشهور والمحفوظ أن قَذف
الشياطين بالشهب عند مبعثه صلى الله عليه وسلم.ومنها أن إبليس حُجب عن خبر السماء فصاح ورنَّ
رَنَّةً عظيمةً كما رنَّ حين لُعن، وحين أخرج من الجنة، وحين وُلد النبي صلى الله
عليه وسلم، وحين نزلت الفاتحة. ذكر ذلك الحافظ
العراقي في المورد الهني عن بقي بن مَخْلَد.
ولما آن أوان إشراق
الكائنات بظهور نور مظهر التجليات صلى الله عليه وسلم حصل للسيدة آمنة رضي الله
تعالى عنها ما كانت تحدث به عن نفسها كما رواه أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما وأبو سعيد النيسابوري عن كعب الأحبار ونقله الحفاظ وسكتوا عليه وذلك
أنها كانت تقول: لقد أخذني ما يأخذ النساء (أي من الطلق) ولم يعلم بي أحد من
قرابتي لا ذكر ولا أنثى وإني لوحيدة في المنزل وعبد المطلب في طوافه، فسمعت وجبة
عظيمة وأمراً عظيماً فهالني ذلك وذلك يوم الإثنين فرأيت كأن جناح طير أبيض مسح على
فؤادي فذهب عني الروع وكل وحشة كنت أجدها ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء فيها لبن
فتناولتها فشربتها فأضاء مني نورها ثم رأيت نسوة كالنخل طوالاً كأنهن من بنات عبد
مناف يحدقن بي فبينا أنا أعجب من ذلك وأقول، واغوثاه من أين علمن بي ؟ فقلن لي:
نحن آسية أمرأة فرعون ومريم بنت عمران وهؤلاء الحور العين، فاشتد الأمر بي وأنا
أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول مما تقدم فبينا أنا كذلك إذا أنا بديباج أبيض
قد مد بين السماء والأرض، وفي لفظ: رأيت علماً من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب
بين السماء والأرض وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس (أي إذا ولد) ورأيت رجالاً
قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق من فضة وإناء يرشح منه عرق كالجمان أطيب ريحاً
من المسك الأذفر وأنا أقول: يا ليت عبد المطلب قد دخل علي، وعبد المطلب ناء عني،
فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي مناقيرها من الزمرد
وأجنحتها من الياقوت، فكشف الله عن بصري فأبصرت ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها
ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات علماً في المشرق وعلماً في المغرب وعلماً على ظهر
الكعبة، فأخذني المخاض واشتد الأمر جداً فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء وكثرن
علي حتى كأنهن معي في البيت وأنا لا أرى شيئاً فولدت محمداً صلى الله عليه وسلم.
وحينئذ يستحب القيام كما تقدم تعظيماً له صلى
الله عليه وسلم، قالت رضي الله عنها: فلما خرج من بطني درت فنظرت إليه فإذا هو
ساجد قد رفع إصبعيه إلى السماء كالمتضرع المبتهل ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من
السماء نزلت حتى غشيته فغيب عن وجهي برهة فسمعت منادياً ينادي ويقول: طوفوا بمحمد
صلى الله عليه وسلم شرق الأرض وغربها وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته
وصورته ويعلمون أنه سمي فيها الماحي ولا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه ثم
تجلت السحابة عنه في أسرع وقت فإذا أنا به مدرج في ثوب صوف أشد بياضاً من اللبن
وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض وإذا قائل
يقول: قبض محمد صلى الله عليه وسلم على مفتاح النصر ومفتاح الذكر ومفتاح النبوة ثم
أقبلت سحابة أخرى أعظم من الأولى لها نور يسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة من
كل مكان وكلام الرجال حتى غشيته فغيب عن عيني أكثر وأطول من المدة الأولى فسمعت
منادياً ينادي: طوفوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الشرق والغرب وعلى موالد النبيين
واعرضوه على كل روحاني من الجن والإنس والملائكة والطيور والسباع وأعطوه خلق آدم
ومعرفة شيث وشجاعة نوح وخلة إبراهيم ولسان إسماعيل ورضا إسحق وفصاحة صالح وحكمة
لوط وبشرى يعقوب وجمال يوسف وشدة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود
وحب دانيال ووقار إلياس وعصمة يحيى وزهد عيسى وأغمسوه في أخلاق النبيين ثم تجلت
عنه في أسرع من طرفة عين فإذا أنا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طياً شديداً
ينبع من تلك الحريرة ماء معين وإذا قائل يقول: بخ بخ قبض محمد صلى الله عليه وسلم
على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها إلا دخل في قبضته طائعاً بإذن الله عز وجل
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم القادر على ما يريد، وفي رواية: ثم نظرت
إليه وإذا به كالقمر وريحه يسطع كالمسك الأذفر فبينا أنا أتعجب إذا بثلاثة نفر
ظننت أن الشمس تخرج من خلال وجوههم في يد أحدهم إبريق من فضة وفي ذلك الإبريق ريح
المسك وفي يد الثاني طست من زمرد أخضر عليها أربع نواح في كل ناحية من نواحيها
لؤلؤة بيضاء وإذا قائل يقول: هذه الدنيا شرقها وغربها برها وبحرها فاقبض يا حبيب
الله على أي ناحية شئت، قالت: فدرت لأنظر من أين قبض من الطست فإذا هو قد قبض على
وسطها فسمعت قائلاً يقول: قبض على الكعبة ورب الكعبة، أما إن الله تبارك وتعالى قد
جعلها له قبلة ومسكناً مباركاً ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية طياً شديداً
فنشرها فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين دونه ثم حمل ابني فناوله صاحب الطست
وأنا أنظر إليه فغسله من ذلك الإبريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ختماً
واحداً ولفه في الحريرة واستدر عليه خيطاً من المسك الأذفر ثم احتمله فأدخله تحت
أجنحته ساعة وقال في أذنه كلاماً كثيراً لم أفهمه وقبل بين عينيه ثم قال: أبشر يا
محمد فما بقي لنبي علم إلا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علماً وأشجعهم قلباً معك مفاتيح
النصرة وقد ألبست الخوف والرعب فلا يسمع أحد بذكرك إلا وجل فؤاده وخاف قلبه وإن لم
يرك يا رسول الله، ثم رأيت رجلاً قد أقبل نحوه حتى وضع فاه على فيه فجعل يزقه كما
تزق الحمام فرخها فكنت أنظر إلى إبني يشير بإصبعه يقول: زدني زدني، فزقه ساعة ثم
قال: أبشر يا حبيب الله فما بقي لنبي حلم إلا وقد أوتيته ثم احتمله فغيبه عني فجزع
فؤادي وذهل قلبي فقلت: ويح قريش والويل لها ماتت كلها أنا في ليلتي وفي ولادتي أرى
ما أرى ويصنع بولدي ما يصنع ولا يقربني أحد من قومي إن هذا لهو العجب العجاب،
فبينا أنا كذلك إذا به قد رد علي كالبدور وريحه يسطع كالمسك وهو يقول: خذيه فقد
طافوا به الشرق والغرب وعلى موالد النبيين أجمعين والساعة كان عند أبيه آدم فضمه
إليه وقبل بين عينيه وقال: أبشر يا حبيبي فأنت سيد الأولين والآخرين وجعل يلتفت
ويقول: أبشر يا عز الدنيا وشرف الآخرة فقد استمسكت بالعروة الوثقى فمن قال بمقالتك
وشهد بشهادتك حشر غداً يوم القيامة تحت لوائك وفي زمرتك وناولنيه ومضى ولم أره بعد
تلك المرة.
وإخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة هم عبد اللَّه بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث،
وحذافة أو جذامة بنت الحارث (وهي الشيماء -) وكانت تحضن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وبقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بني سعد، حتى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده وقع
حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج
القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء
زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره -
فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
وعندما بلغ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ست سنوات توفيت أمه، فعاش
يتيما في رعاية جده عبد المطلب الذي أعطاه رعاية كبيرة، وكان يردد كثيرًا أن هذا
الغلام سيكون له شأن عظيم، ثم توفي عبد المطلب عندما بلغ النبي - صلى الله عليه
وسلم - ثماني سنوات، وعهد بكفالته إلى عمه أبي طالب الذي قام بحق ابن أخيه خير
قيام.وعندما اصبح محمد عليه الصلاة والسلام شابا عمل برعي الاغنام لأعمامه وعمل
بالتجارة عندما كان عمره حينها الثانية عشرة حيث خرج مع عمه أبى طالب بتجارة إلى
بلادالشام وبعد عودته من الشام اصبح يتاجر بأسواق مكة او بالأسواق القريبة منها
(كسوق عكاظ وسوق مجنه وسوق ذي المجاز) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نشأته
هى مكارم الأخلاق وحسن تعامله مع الناس ويظهر التعجب عندما يستمع الى حديثهم وكأنه
يسمعه لاول مرة و يبدي اهتماما بهم وما كان مُكذبا لاحد ولكن كان مصححا لهم ما ورد
على لسانهم وكان دائم الابتسامة. ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة - قيل: وشهرين وعشرة أيام - ارتحل به أبو طالب تاجراً
إلى الشام، حتى وصل إلى بصرى - وهي معدودة من الشام وقصبة لحوران، وكانت في ذلك
الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان - وكان في هذا البلد راهب
عرف ببحيرا واسمه جرجيس فلما نزل الركب خرج إليهم، وأكرمهم بالضيافة، وكان لا يخرج
إليهم قبل ذلك وعرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصفته، فقال وهو آخذ بيده هذا سيد العالمين، هذا يبعثه اللَّه رحمة
للعالمين. فقال أبو طالب وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق
حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجداً، ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل
غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به
إلى الشام، خوفاً عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى
مكة.
وكان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ينأى بنفسه عن كل خصال الجاهلية
القبيحة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل من الذبائح التي تذبح للأصنام، ولم يكن
يحضر أي عيد أو احتفال يقام للأوثان، بل كان معروفًا عنه كراهيته الشديدة لعبادة
الأصنام وتعظيمها، حتى أنه كان لا يحب مجرد سماع الحلف باللات والعزى وهما صنمان
مشهوران كان العرب يعظمونهما ويعبدونهما ويكثرون الحلف بهما. فاشتهر عنه مساعدة
المحتاجين، وإعانة المبتلين، وإكرام الضيوف، والإحسان إلى الجيران، والوفاء
بالعهد، وعفة اللسان، وكان قمة في الأمانة والصدق حتى عرف بين قومه ولقب بإسم
الصادق الأمين. ولم يكن
له صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنماً،
رعاها في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج
تاجراً إلى الشام في مال خديجة رضي اللَّه عنها، وكانت خديجة بنت خويلد امرأة
تاجرة ذات شرف ومال كثير، تستأجر الرجال وسادات قريش في مالها، وتضاربهم إياه بشيء
تجعله لهم، وكانت قريش قوماً تجاراً فلما بلغها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم
أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً
وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام. ولما
رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر من قبل هذا،
وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج
أمين، وجدت ضالتها المنشودة - وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبى
عليهم ذلك - فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا
إلى عم خديجة، وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء
مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة. وكانت سنها إذ ذاك
أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً، وهي أول امرأة
تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وبعد انت تزوج
النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة رضى الله عنها، فأنجبت له كل أولاده عدا
إبراهيم فكان له ابن من زوجتة السيدة ماريا القبطية المصرية وهو اخر ابناء الرسول
محمد عليه الصلاة والسلام، فأنجبت له خديجة من الذكور القاسم و كان يكنيه رسول
الله صلى عليه وسلم بأبى القاسم وعبد الله فماتا وهم صغار ومن الإناث انجبت له
زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء حيث توفيت ثلاثة منهن في حياة الرسول
وهن(زينب وام كلثوم ورقية) وواحدة بعد وفاته بسته اشهر وهي(فاطمة الزهراء). وبعد خمس وثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء
الكعبة وذلك لأن الكعبة كانت رضما فوق القامة، ارتفاعها تسع أذرع من عهد إسماعيل
ولم يكن لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وكانت مع ذلك قد
تعرضت - باعتبارها أثراً قديماً - للعوادي التي أدهت بنيانها، وصدعت جدرانها، وقبل
بعثته صلى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم، انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة
منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصاً على مكانتها، واتفقوا على
أن لا يدخلوا في بنائها إلا طيباً، فلا يدخلوا فيا مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة
أحد من الناس، وكانوا يهابون هدمها فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومي، وتبعه
الناس لما رأوا أنه لم يصبه شيء، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد
إبراهيم، ثم أرادوا الأخذ في البناء فجزأوا الكعبة وخصصوا لكل قبيلة جزءاً منها.
فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة وأخذوا يبنونها، وتولى البناء بناء رومي اسمه باقوم،
ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه واستمر
النزاع أربع ليال أو خمساً واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن
أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم
من باب المسجد فارتضوه، وشاء اللَّه أن يكون ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم،
وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن
يمسكوا جميعاً بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه
بيده، فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضي به القوم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه باخلاق عذبةفاضلة، وشمائل كريمة فكان
أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأعزهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً،
وألينهم عريكة، وأعفهم نفساً، وأكرمهم خيراً، وأبرهم عملاً، وأوفاهم عهداً، وآمنهم
أمانة حتى سماه قومه "الأمي" لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال
المرضية، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي اللَّه عنها يحمل الكل، ويكسب
المعدوم، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. لقوله تعالى
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ
الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
(لأعراف:157) فسياق
الأمي ليست تعنى من ليس يقرا ويكتب فمعنى قوله تعالى ...الرسول النبى الأمـــيَّ
هو خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وسياق الأميَّ تعنى امة وتعنى فى
لغة العرب الإمام والأصل الجامع الذى تتفرع منه كل النبوة والرسالات الإلهية
الإسلامية لدين الله الواحد فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ارسله الله تعالى
لكل الأمة فيبقى هو الرسول النبى الأمي اى ارسل لجميع البشرية فالله واحد فيبقى كل
دينه واحد وكل انبياء ورسل الله دينهم واحد وهو هذا الإسلام وقال الله تعالى وكان
إبراهيم أمة اى إمام جامع لأصل لكل النبوة الإلهية الإسلامية
فإن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد أربعين سنة مضت من
عمره كما هو حال كثير من الأنبياء، وقد حدد المباركفوري رحمه الله في كتاب الرحيق
المختوم نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم فقال: وبعد النظر والتأمل في القرائن
والدلائل يمكن لنا أن نحدد يوم نزول الوحي بأنه يوم الإثنين لإحدى وعشرين مضت من
شهر رمضان ليلا ويوافق 10 أغسطس سنة 610 م وكان عمره إذ ذاك بالضبط أربعين سنة
قمرية وستة أشهر و12 يوما وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر و12 يوما. كان محمد
كعادته يعتكف عن الناس أجمعين في غار حراء وحيداً متفكراً بحال الدنيا ومخلوقاتها،
وبينما هو يتفكر إذ سمع صوتاً يحدثه وإذا به رجلاً، ففزع النبي من هذا الرجل لعدم
معرفته المسبقة به، وكان هذا الرجل هو الوحي أو الملك جبريل عليه السلام، وقال بلا
مقدمات أو حتى سلام للرسول: «اقرأ» فامنتع الرسول عن القراءة بقوله: «ما أنا
بقارئ»، فأعاد الوحي وقال: «اقرأ، فرد النبي: ما أنا بقارئ»، فقرأ الملك جبريل
أولى آيات القرآن الكريم على مسامع النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: «اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ
وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا
لَمْ يَعْلَمْ». سورة العلق (1-5). وفزع النبي كثيراً لسماع هذه الكلمات التي
تتحدّث عن الخالق، وهرول مسرعاً إلى المنزل، إلى زوجته خديجة يحدّثها بما جرى له.
من المعلوم تاريخياً أن مكة كانت مركزا لدين العرب الحنيف الإبراهيمى
القديم، وكان بها سدنة الكعبة والقائمون على الأوثان والأصنام التي كانت مقدسة عند
سائر العرب في ذلك الزمان. وجاءت رسالة الإسلام وحال مكة على ما ذكرنا، ولم يكن من
الحكمة، أن يجهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوته بداية، والعرب على ما هم عليه
من التقاليد والعادات التي ورثوها عن آبائهم. وكان الأمر يحتاج إلى صبر ومثابرة
وعزيمة لا تزلزلها المصائب والكوارث.فكان من الحكمة أن تكون الدعوة في بداية أمرها
سرية، لئلاً يفاجأ أهل مكة بما يهيجهم ويثير حميتهم الجاهلية لآلهتهم وأصنامهم.
وبدأ رسول صلى الله عليه وسلم بعرض الإسلام الحنيف أولاً على أقرب الناس
إليه، وألصقهم به، فدعا آل بيته وأصدقاءه ممن يعرفهم ويعرفونه، يَعْرِفهم بحب الحق
والخير، ويعرفونه بالصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء جَمْعٌ عرفوا في التاريخ
الإسلامي بالسابقين الأولين، وفي مقدمتهم زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم
المؤمنين خديجة رضي الله عنها، ومولاه زيد بن حارثة و ابن عمه على بن أبى طالب،
والصديق أبو بكر رضي الله عنهم، أسلم هؤلاء في أول يوم من أيام الدعوة وكان
إسلامهم فاتحة خير على الإسلام ودعوته. ثم نشط أبو بكر في الدعوة إلى الإسلام،
وكان رجلاً محبوباً، صاحب خلق وإحسان، فدعا من يثق به سراً، فأسلم بدعوته عثمان بن
عفان و الزبير بن العوام، و عبد الرحمن بن عوف، و سعد بن أبي وقاص، و طلحة بن عبيد
الله رضي الله عنهم. وسارع كل واحد من هؤلاء إلى دعوة من يطمئن إليه ويثق به،
فأسلم على أيديهم جماعة من الصحابة، وهم من جميع بطون قريش، وهؤلاء هم أوائل
السابقين الأولين الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ
مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (التوبة:100). وذكر أهل السيرة أنهم كانوا أكثر
من أربعين نفراً، أسلم هؤلاء سراً وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم
بعيداً عن أنظار المشركين، فيرشدهم ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن الكريم، ويثبت
الإيمان في قلوبهم.
وأما مدة الدعوة السرية فقد ذكر أكثر أهل السير أنها كانت ثلاث سنوات، وكون
الدعوة سرية في هذه المرحلة لا يعني أن خبرها لم يبلغ قريشاً، فقد بلغها إلا أنها
لم تكترث لها، ولم تعرها اهتماماً في بداية الأمر، ظناً منها أن محمداً أحد أولئك
الديانين الذين يتكلمون في الألوهية، وعبادة الله وحده، مما ورثوه من الحنيفية دين
إبراهيم عليه السلام، كما صنع أمية بن أبي الصلت و قس بن ساعدة، و عمرو بن نفيل
وأشباههم. ولما بدأ عود الدعوة يشتد ويقوى وخاف المشركون من ذيوع خبرها وامتداد
أثرها، أخذوا يرقبون على مر الأيام أمرها ومصيرها، فوقفوا في سبيلها بعد ذلك. فإن
دعوة الإسلام استدعت في بداية أمرها أن تكون دعوة سرية، ريثما يتمكن أمرها، لتنطلق
معلنة رسالتها الخاتمة، تلك الرسالة القائمة على إخراج الناس من الغي والضلال إلى
الهدى والرشاد، لتكون عزاً ونصراً للمؤمنين ورحمة للعالمين وصدق الله القائل{قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ – يونس 58}.
الجهر بالدعوة في قريش، كانت الدعوة الإسلامية في بداية أمرها تنتهج السرية
في تبليغ رسالتها، لظروف استدعت تلك الحال، واستمر الأمر على ذلك ثلاث سنين، ثم
كان لابد لهذه الدعوة من أن تعلن أمرها وتمضي في طريقها الذي جاءت من أجله، مهما
لاقت من الصعاب والعنت والصد والمواجهة. فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه
وسلم وقد بعثه رسولاً للناس أجمعين أن يصدع بالحق، ولا يخشى في الله لومة لائم
فقال: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94) وأخبره
أن يبدأ الجهر بدعوة أهله وعشيرته الأقربين، فقال الحق مخاطباً له (وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأقربين) (الشعراء:214) فدعا بني هاشم ومن معهم من بني المطلب، قال
ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد النبي
صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي: (يا بني فهر يا بني عديٍّ - لبطون قريش
- حتى اجتمعوا فجعل الذي لم يستطع أن يخرج يرسل رسولاً لينظر ما الخبر ؟ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم
مصِّدقي؟ قالوا ما جربنَّا عليك كذباً، قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال
له أبو لهب: تباً لك إلهذا جمعتنا) متفق عليه. فكانت هذه الصيحة العالية بلاغاً
مبيناً، وإنذاراً صريحاً بالهدف الذي جاء من أجله، والغاية التي يحيا ويموت لها،
وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم ووضَّح لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو
الرابط الوحيد بينه وبينهم وهى لإحياء وتجديد عقيدة جدوده الحنفاء المسلمين
الإبراهيمين، وأن عصبية القرابة التي ألِفوها ودافعوا عنها واستماتوا في سبيلها،
لاقيمة لها في ميزان الحق، وأن الحق أحق أن يتبع، فها هو يقف مخاطباً قرابته كما
ثبت في الحديث المتفق عليه بقوله: (يا عباس بن عبد المطلب يا عم رسول الله لا أغني
عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة
بنت رسول الله سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً).
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يبالي في سبيل دعوته بشئ، بل يجهر بالحق ويصدع
به لا يلوي على إعراض من أعرض، ولا يلتفت إلى استهزاء من استهزأ، بل كانت وجهته
إلى الله رب العالمين (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)
(الأنعام:162) وكانت وسيلته الجهر بكلمة الحق {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة
أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (يوسف:108). وقد لاقى رسول الله
صلى الله عليه وسلم جراء موقفه هذا شدة وبأساً من المشركين، الذين رأوا في دعوته
خطراً يهدد ما هم عليه في عبادة الأصنام، فتكالبوا ضده لصده عن دعوته، وأعلنوا
جهاراً الوقوف في مواجهته، آملين الإجهاز على الحق الذي جاء به (والله غالب على
أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (يوسف21).
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه يدعو إلى الله متلطفاً في عرض
رسالة الإسلام، وكاشفاً النقاب عن مخازي الوثنية، ومسفهاً أحلام المشركين.فوفق
الله تعالى ثلة من قرابته صلى الله عليه وسلم وقومه لقبول الحق والهدى الذي جاء
به، وأعرض أكثرهم عن ذلك، ونصبوا له العداوة والبغضاء، فقريش قد بدأت من أول يوم
في طريق المحاربة لله ولرسوله، متعصبة لما ألِفته من دين الآباء والأجداد الوثنى،
كما حكى الله تعالى عنهم على سبيل الذم والإنكار فقال: (إِنَّا وَجَدْنَا
آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (الزخرف:22).فإن
الجهر بالدعوة كان تنفيذاً لأمر الله تعالى، وقياماً بالواجب، وقد صدع النبي صلى
الله عليه وسلم بالحق كما أراد الله، ولاقى مقابل هذا الإعلان ما قد علمنا من
عداوة المشركين له وللمؤمنين من حوله، والتنكيل بهم، ولكن كان البيع الرابح مع
الله تعالى، والعاقبة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به فملكوا الدنيا
ودانت لهم، وهدى الله بهم الناس إلى الصراط المستقيم، وفي الدار الآخرة لهم الحسنى
عند الله تعالى.
لقد أرسل الله نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه
وسراجاً منيراً. وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين فقام عليه الصلاة والسلام بواجب
الدعوة إلى الله أتم قيام وقام وتحمل المسؤولية وتحمل الأذى في سبيل الله تعالى، قد تبيَّن مما
سبق بما لا يدع مجالاً للشك أن رسولنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مُرسَل من ربه - سبحانه - برسالة الحق،
بالدين الخاتَم للناس كافة، بل للجن والإنس. قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ
بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].وقال تعالى ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون ﴾ [الأعراف: 158].وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن مَثَلي ومَثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا
فأحسَنَه وأجمله إلا موضِع لَبِنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويَعجبون له
ويقولون: هلا وُضِعتْ
هذه اللَّبِنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.فكانت دعوته الإسلامية الحنيفية في مجملها لتعبد
الناس ربها الخالق وحده وهجر عبادة الجبت والطاغوت والشيطان الوثنية التى حلت مكان
الديانية الإبراهيمية المكية القديمة. قال ابن هشام رحمه الله: فلما بلغ محمد رسول
الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وكافة للناس
بشيراً ونذيراً، ولقد حبب إليه الخلاء فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء
في جبل النور، يقيم في شهر رمضان ويطعم من جاءه من المساكين، ويقضي وقته في
العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد
الشرك، وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفاً من تدبير الله له
وليعده لما ينتظره من الأمر العظيم، وهكذا دبر الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو
يعده لحمل الأمانة الكبرى وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ، فدبر له هذه
العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، ينطلق في هذه العزلة شهراً من الزمان، مع
روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما رواء الوجود من غيب مكنون حتى يحين موعد التعامل مع
هذا الغيب عندما يأذن الله به. روى البخاري عن جابر بن عبد الله أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي، قال:فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً
من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين
السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني
فزملوني فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر إلى قوله: فاهجر... ثم حمى الوحي
وتتابع.
فلقد تلقى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأوامر من ربه عز وجل: (يا أيها
المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر)
(يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً). وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلّ قائماً
بعدها أكثر من عشرين عاماً! لم يسترح ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله. قام وظل
قائماً على الدعوة إلى الله تعالى يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء
به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، عبء
الكفاح والجهاد في ميادين شتى، عاش في المعركة الدائبة المستمرة أكثر من عشرين
عاماً. لا يلهيه شأن عن شأن من خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوي الجليل،
وتلقى منه التكليف الرهيب.. جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء.
تنقسم دعوة النبي صلى
الله عليه وسلم في المرحلة المكية إلى ثلاث مراحل فكانت مرحلة الدعوة السرية، ثلاث
سنين، ومرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى
أواخر السنة العاشرة، ومرحلة الدعوة خارج مكة، وفشوها فيهم، من أواخر السنة
العاشرة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فمن الطبيعي أن
يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام أولاً على أقرب الناس به وآل بيته
وأصدقائه، فدعاهم إلى الإسلام، ودعا إليه كل من توسم فيه خيراً ممن يعرفهم
ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء – الذين لم تخالجهم ريبة قط في
عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجلالة نفسه وصدق خبره- بمن عرفوا في التاريخ
الإسلامي بالسابقين. الأولين، وفي مقدمتهم زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم
المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن ثابت بن شرحبيل الكلبي، وابن عمه علي بن
أبي طالب وكان صبياً يعيش في كفالة الرسول وصديقه الحميم أبوبكر الصديق، وقد أسلم
هؤلاء في أول أيام الدعوة وأصبح كل واحد منهم أمة لوحده يدعو إلى الله تعالى فهذا
أبوبكر بعد أن أسلم نشط في الدعوة إلى الإسلام، وكان رجلاً مألفاً محبباً سهلاً،
ذا خلق ومعروف. وان رجال قومه يأتونه ويألفونه، لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل
يدعو من يثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان الأموي،
والزبير بن العوام الأسدي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد
الله التيمي. فكان هؤلاء الذين سبقوا الناس هم الرعيل الأول وطليعة الإسلام.
ومن أوائل المسلمين بلال بن رباح الحبشي، ثم تلاهم أمين هذه الأمة أبو
عبيدة عامر بن الجراح من بني الحارث بن فهر، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن
أبي الأرقم المخزوميان، وعثمان بن مظعون، وأخواه قدامة وعبد الله. وعبيدة بن
الحارث بن عبد المطلب، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر، وخباب بن
الأرت، وعبد الله بن مسعود وخلق سواهم، وأولئك هم السابقون الأولون، وهم من جميع
بطون قريش وعدهم ابن هشام أكثر من أربعين نفراً. {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (التوبة:100).قال ابن إسحاق:
ثم دخل الناس في الإسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا ذكر الإسلام بمكة
وتحدث به.أسلم هؤلاء سراً، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم ويرشدهم إلى
الدين متخفياً؛ لأن الدعوة كانت لا تزال فردية وسرية، وكان الوحي قد تتابع وحمي
بعد أن فتر، وبعد نزول أوائل المدثر. وكانت الآيات وقطع السور التي تتنزل في هذا
الزمان قصيرة، ذات فواصل رائعة، تشتمل على تحسين وتزكية النفس، وتقبيح تلويثها
برغائم الدنيا، تصف الجنة والنار كأنهما رأي عين، تسير بالمؤمنين في جو آخر غير
الذي فيه المجتمع البشري آنذاك.
بعد مدّة من بدء
الرسول صلى الله عليه وسلم للدعوة السرِّيَّة إلى الإسلام، وبعد بناء القاعدة
الصلبة للدعوة المتمثِّلة بأولئك الروّاد الأوائل من المسلمين الذين انتموا
للإسلام في أيّام غُرْبَته، تلقّى النبيّ صلى الله عليه وسلم أمراً من الله تعالى
بالمجاهرة بالدعوة وعدم الخوف من المشركين﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾.فأظهر أمره وقال: "إنّي رسول الله أدعوكم إلى عبادة الله
وحده، وترك عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضرّ، ولا تخلق ولا ترزق ولا تُحيي ولا
تُميت".
ومنذ ذلك الوقت دخلت دعوة الرسول صلى الله عليه واله وسلم مرحلة جديدة؛ إذ أخذ يدعو إلى التوحيد في التجمُّعات وفي موسم الحجّ في منى وبين القبائل المجاورة لمكّة. فكان ردّ فعل قريش أمام جهره صلى الله عليه وسلم بالدعوة، أن أدبروا عنه وتنكّروا لدعوته خصوصاً بعدما ذكر آلهتهم وعابها. وبما أنّ النظام القبليّ الذي كان سائداً في مكّة، كان يعني أنّهم لو تعرّضوا لمحمّد صلى الله عليه وسلم لواجهوا خطر الانتقام من بني هاشم.
ومنذ ذلك الوقت دخلت دعوة الرسول صلى الله عليه واله وسلم مرحلة جديدة؛ إذ أخذ يدعو إلى التوحيد في التجمُّعات وفي موسم الحجّ في منى وبين القبائل المجاورة لمكّة. فكان ردّ فعل قريش أمام جهره صلى الله عليه وسلم بالدعوة، أن أدبروا عنه وتنكّروا لدعوته خصوصاً بعدما ذكر آلهتهم وعابها. وبما أنّ النظام القبليّ الذي كان سائداً في مكّة، كان يعني أنّهم لو تعرّضوا لمحمّد صلى الله عليه وسلم لواجهوا خطر الانتقام من بني هاشم.
وبعد تلك السنوات
الثلاث في الدعوة السرية، لقد عمد الرسول
صلى الله عليه وسلم إلى إعلان الدعوة جهراً، حين وقف ذات يوم على صخرة عند جبل
الصفا منادياً بصوت عالٍ: (أرأيتكم إن أخبرتكم إنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم
تصدّقونني؟) قالوا: بلى. قال: (فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فرد عليه
أحدهم: تبّاً لك ألهذا دعوتنا؟ فتفرّق الناس على أثر ذلك. إلاّ أنّه بعد فترة من
الدعوة العامة، تشكلت جماعة قوية متعاطفة متحابّة، من السابقين واللاحقين، أو
القدامى والجدد، كانت بمثابة إنذار لاَوساط الكفر والشرك والوثنية، وهم المخالفون،
وقد تألّفت تلك الجماعة من قبائل مختلفة منعوا الكفّار من التعرض لهم، إذ لم يكن
اتّخاذ أي قرار حاسم بحقّهم، أمراً سهلاً ومريحاً. ولذا قرر سادة قريش مواجهة قائد
تلك الجماعة ومحركهم، بوسائل الترغيب والترهيب، بالاِغراء والتطميع، والاِيذاء
والتهديد، واستمرت برامج قريش وموقفها من الدعوة بهذه الاَساليب طيلة عشر سنوات هي
عمر الدعوة العامة في مكة، حتى اتّخذوا قرارهم النهائي بالتخلّص منه بقتله، في الوقت
الذي تمكن النبى صلى الله عليه وسلم من إبطال موَامرتهم وإفشالها بالهجرة إلى
المدينة. وقد بدأوا التحرك في مطالبة كفيله أبي طالب بأن يبعد النبي صلى الله عليه
وآله وسلم عنهم قائلين له: يا أبا طالب إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا،
وسفَّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تُخلّي بينا و بينه.
إلاّ أنّ أبا طالب رَدّهم بقول ٍجميلٍ حكيمٍ. ولكن الدين الجديد انتشر بقوّة بين
العرب، والقادمين إلى مكّة خلال الاَشهر الحرم، فأدرك طغاة قريش أنّ محمّداً بدأ
يفتح له مكاناً في قلوب جميع القبائل، فكثّر أنصاره منها، الاَمر الذي دفعهم إلى
مقابلة أبي طالب مرةً أُخرى، ليذكّروه إشارة وتصريحاً، بالاَخطار التي أحدقت بهم
وبعقائدهم نتيجة نفوذ الاِسلام وقوّته: إنّا واللّه لا نصبرُ على هذا من شتم
آبائنا وعَيب آلهتنا حتى تكفّه عنّا أو ننازله وإيّاك في ذلك، حتى يهلك أحد
الفريقين. فسكّن غضبهم وأطفأ نائرَتهم وهدّأ خواطرهم، ليتم معالجة هذه المشكلة
بطريقةٍ أفضل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأمرهم، فردّ عليه بالجواب
التاريخي الخالد، والذي يعتبر من أسطع وألمع السطور في حياة قائد الاِسلام الاَكبر
محمّد صلى الله عليه وسلم: يا عمّ، واللّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمرَ في
يساري على أن أترك هذا الاَمر حتى يظهِرَه اللّه، أو أهلك فيه، ماتركته. وأثرت في
عمّه تلك الكلمات العظيمة، فأظهر استعداده الكامل للوقوف إلى جانبه قائلاً: إذهب
يا ابن أخي فقل ما أحببتَ، فواللّه لا أُسْلِمَكَ لشيءٍ أَبداً. وحاولت قريشٌ
مساومة أبي طالب مرةً أُخرى، للتخلّص من النبي ودعوته، إلاّ أنّه رفض أي نوع من
المساومة في هذه القضية، محافظاً على محمّدودينه. فسلكوا طريقاً آخر، ووسيلة أجدى
لاِثناء النبي صلى الله عليه وسلم عن المضي في دعوته، وهي تطميعه بالمناصب
والهدايا والاَموال والفَتَيات الجميلات: (فإن كنتَ إنّما جئتَ بهذا الحديث تطلبُ
به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالاً، وإن كنتَ إنّما تطلب الشرفَ
فينا فنحن نسوِّدُكَ ونشرِّفك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك تابعاً من الجنّ قد
غلب عليك، بذلنا أموالنا في طِبّك). إلاّ أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال
لعمّه: يا عمّ أريدهم على كلمةٍ واحدة يقولُونها، تدين لهم العرب، وتوَدّي إليهم
بها العجم الجزية). قالوا: ما هي؟ قال: (لا إله إلاّ اللّه). فقاموا فزعين قائلين:
أجعل الآلهة إلهاً واحداً إِنْ هذا لشيء عجابٌ.
إن عام الحزن هو العام الذي إزداد فيه أذى قريش لرسول الله صلى الله عليه
وسلم وايضاً فقد فيه اهم اثنين كانا عوناً له في مجابهة أذى مشركي مكة وقريش وقد
مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من قريش وماتت ايضاً زوجته أم المؤمنين السيدة
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وكان ذلك في العام العاشر للبعثه اي قبل ثلاث اعوام
من الهجرة وقد كان لوفاة عمه ابوطالب ووفاة السيدة خديجة وقعاً عظيماً على قلب
الرسول عليه افضل الصلاة والسلام لانه فقد الحماية من شرور قريش لانهم كانوا
بتربصون به وبأصحابه بسبب دعوته للأسلام ويذكر التاريخ ان السيدة خديجة ماتت بعد
عم النبي ابو طالب بشهر واحد فقط، وكان النبي يحبها حباً كبيراً لانها كانت وفية
له ولدعوته وساعدته بمالها ورزقها وكانت ام بناته ورفيقة دربه حيث كانت أول النساء
التي امنت به وبدعوته للأسلام وعبادة الله وحده وكان الرسول صلى الله عليه وسلم
يبشرها قبل موتها بالجنة حيث اتاه جبريل عليه السلام وقال له (يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام،
أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت
في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).وكان رسول الله
يعلم ان الدنيا دار ابتلاء ودار امتحان ودار أحزان وسمي العام هذا بعام الحزن بسبب
حزن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما زاد حزنه في نفس العام إنّه توجه الى الطائف لدعوة أهل الطائف الى
الأسلام وكان معه الصحابي زيد بن حارثة ولكنه جوبه بالصدر والأذى من قبل أهل
الطائف الذين أذووه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدمي الرسول صلى الله عليه وسلم
ومن رأس زيد بن حارثه الذي كان يدافع عن الرسول ويصد عنه الحجارة وعودته بعد ذلك
الى مكة حزن ايضاً على ذلك الأذى والصد من قبيلة ثقيف في الطائف. وعندها تجلت قدرة الله سبحانه وتعالى واراد ان يزيل
الهم والغم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعندها اسرى الله به من المسجد الحرام الى
ملكوت السماوات ثم عرج الى السموات العلى عند سدرة المنتهى في رحلة افرحت النبي
صلى الله عليه وسلم حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَالنَّجْمِ
إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى -عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى - ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى - وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى - ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى - فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى - فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى - مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى - أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى - وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى - عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى - عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى - إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى - مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى - لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ
الْكُبْرَى- أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى - وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى - أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى - تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى - إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ
مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى – النجم 1-23) وبالرغم من
ذلك إلا أن قريش كذبت الرسول في رحلته بالرغم من وصفه المسجد الأقصا وصفاً دقيقاً. وبعدها بعامين هاجر الى المدينة المنورة التي كانت
بداية تأسيس الدولة الإسلامية التي أدخلت الدنيا في النور واخراجهم من الظلمات
فنقل الإسلام الناس من عبادة
المخلوق والأوثان والجبت والطاغوت الشيطان إلى عبادة الخالق الواحد القهار فإن
الإسلام الحنيف هو النور الذي سطع وأشرق على الظلمات الشركية التي كانت تلف جزيرة
العرب وبددها.
إنّ الإسراء يعني
الصعوط الى حضرة الله تعالى الى ما فوق السماوات السبع وسدرة المنتهى لنبيّه صلّى
الله عليه وسلّم من المسجد الحرام بمكّة إلى ملكوت السماوات العلى في جزء من
الليل، ثمّ رجوعه في نفس اللية إلى فراشه، ولقد بعث الله عزّ وجلّ الرّسول عليه
أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم هادياً للنّاس أجمعين، وقدوةً لهم، فهو أفضل البشر
والأنبياء، ففضّل الله عزّ وجلّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم واختصّه برحلة
الإسراء والمعراج، إذ أنّه عليه الصلاة والسلام كان قد مرّ قبل رحلة الإسراء
والمعراج بالعديد من المحن، فماتت زوجته خديجة رضي الله عنها، وعمّه أبو طالب،
واشتدّت عليه المحن، فكانت هذه الرّحلة عوناً وتثبيتاً من الله عزّ وجلّ لنبيّه
محمّد عليه الصّلاة والسّلام، واختباراً جديداً للمسلمين لتثبيت إيمانهم بدعوة النّبي
محمّد عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم.
ففي ليلة السّابع
والعشرين من رجب في السنة الثامنة من البعثه في مكة، جاء جبريل عليه السّلام إلى
رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم
- بينما هو نائم في في بيت بنت عمه السيدة
هانم بنت ابى طالب، وفتحت السيدة فاطمة الزهراء الباب لجبريل وكان له جناحان أخضران سد
بهما المشرق والمغرب وعلى رأسه تاج مرصع بالدر والجواهر مكتوب علي جبهته لا إله
إلا الله محمد رسول الله-طلب جبريل من فاطمة لقاء سيدنا محمد عليه الصلاة
والسلام لأنه على موعد لمناجاه الله.فركب الرسول البراق{دابة فوق الحمار ودون البغل وجه مثل الأدمى
وجسد مثل الفرس أذناها من الزمرد الأخضر وعينها مثل كوكب درى يوقد لها شعاع كشعاع
الشمس شهباء بلقاء محجله الثلاث مطلوقة اليمين عليها جل مرصع والجواهر والدر} طلب البراق شفاعه الرسول بعد ان اضطرب
عندما هم الرسول ان يمتطيه وقال البراق ركبنى أدم صفوه الله وابراهيم خليل الله ثم
ركبه الرسول حبيب الله صاحب الوجه الانور والجبين الازهر والخد الاحمروالحوض
والكوثر والشفاعه الكبرى ل 70 الف من المسلمين. ونزل الرسول وصلي ركعتين في وادى العقيق
كما امره جبريل ثم ركب البراق مره ثانيه ورفض الاذعان والوقوف للاستماع لنصائح
داعى النصارى(الذى ناداه من اليمين)وداعى اليهود (الذى ناداه من الشمال)وكذلك لم يقف الرسول لسماع نصائح المراة
التى اشرق حسنها وجمالها بفضلاًمن الله لم يقف الرسول لهم فنجت الامه الاسلاميه من
التنصر والتهود وغواية الدنيا عن الاخره بعد سيدنا محمد (المراة ذات الحسن والجمال كناية عن الدنيا).
بدأت رحلة المعراج
والصعود والطيران الى العلى حيث نصب المعراج الي عنان السماء وهومرقاة من الذهب
ومرقاة من الفضة والزبر والياقوت الاحمر فضمنى جبريل بصدره ولفني بجناحيه وقبل ما
بين عيني وقال أرق يامحمد الي السماء فبدأ بالسماء الاولى (سماء الدخان) وان رحلة الإسراء
والمعراج هى السفر عبر الزمن ورؤية زمن الأخرة وعذاب الأخرة للنبى صلى الله عليه
وسلم ومعه سيدنا جبريل عليه السلام .
- فطرق جبريل باب السماء الاولى ففتح لنا
الباب وقالوا مرحباً بك ومن معك ودخلنا سماء من دخان ليس فيها موضع قدم الاوعليها
ملك ساجد أوراكع وبها نهران هما النيل والفرات وكذلك نهر الكوثر(خبأه الله للرسول) كالمسك أذفر وعليه قصر من اللؤلؤ ويوجد في
السماء الاولى ملك عظيم يركب فرس أسمه أسماعيل (خازن سماء الدخان) فاذا عصي في الارض َاحد نادى يقول: ان الله تعالي غضب علي فلانابن فلان
فيغضبون عليه واذا إستغفر العبد وتاب ينادون أن الله قد غفر لفلان ابن فلان فيرضون
عنه، وكذلك يوجد في سماء الدخان ملك أكناز السموات ناصح سيدنا أدم {له الف رأس والف وجه نصفه من ثلج ونصفه من
نار (لا النار
تذيب الثلج ولاالثلج يطفيئ النار)}ثم أصطفت الملائكه فصلى الرسول بهم ركعتين علي
ملة أبراهيم الخليل.
- ثم صعداَ الى السماء الثانية مسافة خمسمائة
عام، ففتح لنا وقالوا مرحباً بك ومن معك، ودخلنا سماء (الماعون) من حديد لاوصل ولافصل بها الملائكه لنصرة
الأسلام إلي يوم القيامة يركبون علي خيول مسومة متقلدين بالسيوف بأيديهم الحراب،
ورأيت في السماء الثانيه شابين متشابهين هم يحيىبن زكريا(علي وجه أثار الخشوع) وعيسي ابن مريم (سنبط الشعر جميل الوجه أبيض اللون مشرب
بحمرةٍ) وصليت
ركعتين.
- ثم صعداَ الى السماء الثالثة مسافة خمسمائة
عام، ففتح لنا وقالوا مرحباً بك ومن معك، فدخلنا سماء (المزينة) من نحاس، بها ملائكة ليلة القدر وشهر رمضان
معهم الوية خضراء ويسلمون علي أهل صلاة الليل ومجالس الذكر، ورأيت في السماء
الثالثة شيخاً وشاباً سيدنا داود وسيدنا سليمان ونظرت بين أيديهم فوجدت غلاماً(سيدنا يوسف بن يعقوب) يجلس علي كرسي من نور وقد اَشرق وجهه
وصورته كالقمر ليلة البدر.
- ثم صعداَ الى السماء الرابعة مسافه خمسمائة
عام، ففتح لنا الباب وقالوا مرحباً بك ومن معك، فدخلنا بسماء (الزاهرة) من فضة بيضاء وها أصناف من الملائكة وعجائب
ربي، وشاهدت ملك الموت عزرائيل ملك عظيم الخلقة والمنظر قد بلغت قدماه تحوم الارض
السابعة ورأسه تحت العرش وهو جالس علي كرسي من نور والملائكة بين يديه وعن شماله
ويمينه ينتظرون أمر الله وعن يمينه لوح وعن شماله شجرة عظيمة ولايضحك ابداً وكذلك
خازن النار لايضحك، فسأل الرسول عزرائيل كيف تقبض الأرواح وأنت مكانك فقال ان الله
أمكنني من ذلك وجعل الدنيا بين يدي كالدرهم وسخر لي من الملائكة خمسة الاف أفرقهم
في الارض فأذا بلغ العبد أجله وإستوفى رزقه أرسلت له أربعين ملكاً يعالجون روحه
فينزعونها من العروق والعصب واللحم والدم ويقبضونها من رؤوس أظافره حتي الي الركب
ثم يريحونه ساعة ثم يجذبونها الي السرةثم يريحونه ساعة ثم يجذبونها الي الحلقوم
فتقع في الغرغرة فأتناولها وأسلها كما تسل الشعرة من العجين فأذا إنفصلت عن الجسد
جمدت العينين وشخصتا لأنهما يتبعان الروح بأحدى حربي هاتين (حربة النورتقبض الروح الطيبة ترسلها الي عليين
وحربة السخط تقبض الروح الخبيثة وترسلها الي سجين وهي صخرة سوداء مدْلهمة تحت
الارض السابعة السفلي وفيها أرواح الكفار والفجار) قال تعالى(حتي إذا جاء اَحدكم الموت توفته رسلنا وهم
لايفرطون) ثم سأل الرسول عزرائيل كيف تعرف أذا حضر أجل العبد قال ملك الموت ما من
عبد الا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يصعد اليه عمله وهذه الشجرة
العظيمه عن يساري ما عليها من ورقة الا وعليها اسم شخص من بني ادم فاذا قرب اجل
الشخص أصفرت الورقة التي عليها اسمه وتسقط علي الباب الذي ينزل منه رزقه ويسود
اسمه فأعلم أنه مقبوض فأنظر اليه نظره يرتعد منها جسد الشخص ويتوعك قلبه من هيبتي
فيقع في الفراش فأرسل اليه أربعين ملك يعالجون روحه (ارتعد قلب الرسول ورجف صدره عندما تجلى ملك
الموت للرسول في الصورة التي يقبض بها الارواح عندما طلب الرسول من ملك الموت ان
يري صورة ملك الموت عند قبض الارواح، وبعد الموت وفي القبر ما أشد ظلمة القبر
ووحشته ثم سؤال منكر ونكير: ما أسمك ؟ من ربك ؟ ما دينك ؟ من رسولك ؟
ورأيت في السماء الرابعه سيدنا أدريس علي وجهه نور ساطع وله قلب خاشع ورايت سيدنا أبراهيم الخليل صبيح الوجه غزير العقل ينظر الي أعمال اولاد ادم فلم يجد أجمل ولاأكمل ولا أنور ولاأزهر ولاأحسن ولا أزكي ولاأطهر ممن يقول لا اله الا الله محمد رسول الله وبشر محمد بالخير كله له ولأمته ورحب بالرسول ضاحكا مبتسماً قائلا مرحبا بالولد الصالح وصلي الرسول بهم ركعتين.
ورأيت في السماء الرابعه سيدنا أدريس علي وجهه نور ساطع وله قلب خاشع ورايت سيدنا أبراهيم الخليل صبيح الوجه غزير العقل ينظر الي أعمال اولاد ادم فلم يجد أجمل ولاأكمل ولا أنور ولاأزهر ولاأحسن ولا أزكي ولاأطهر ممن يقول لا اله الا الله محمد رسول الله وبشر محمد بالخير كله له ولأمته ورحب بالرسول ضاحكا مبتسماً قائلا مرحبا بالولد الصالح وصلي الرسول بهم ركعتين.
- ثم صعدا الي السماء الخامسة، ففتح لنا
الباب وقالوا مرحبا بك ومن معك، فدخلنا سماء(المنيرة)من الذهب الاحمر وها ملك عظيماً
وأصناف من الملائكة ورايت باب مكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله فلما
قرأتها سقط قفل وفتح الباب فنظرت فيه فإذا هو مشرق من السماء الخامسة الي تخوم
الارض السابعة وأذا بجهنم مظلمة ممزوجة بغضب الله ودخانها ساطع وأذا بخازن النار {هو ملك عظيم الخلقة لايضحك ابداً مرعب
النظر ظاهر الغضب شديد المراس بين عينيه عقدة لو أشرف بها علي أهل الارض لماتوا عن
آخرهم وغارت البحار وتفطرت منه الجبال فأقشعر منه جلد رسول الله وارتعد منه قلبه} وصلي الرسول ركعتين في السماء الخامسة
وتابع الصعود مع جبريل. وفي السماء الخامسة طلب الرسول من خازن النار ان
يريه جهنم، فكشف عن جهنم الغطاء فأذا هي سوداء اللون معتمة مظلمة ممتزجة بغضب الله
(قيل إن نار الدنيا لها ضياء لانها غسلت في
بحر القدرة سبعين مرة حتي صار لها شعاع ونور يلتفع به) ثم رآي الرسول أنواع العذاب:سبعين الف بحر من غسلين، وسبعين الف بحر من
غساق، وسبعين الف بحر من قطران، وسبعين الف من بحر من رصاص مذوب، وشاهد الرسول عل
ساحل كل بحر الف مدينة من نار، في كل مدينة الف قصر من نار، في كل قصر سبعين الف
تابوت من نار، في كل تابوت 70الف صندوق من نار، في كل صندوق 70 الف صنف من العذاب، ورأيت فيها حيات كامثال
النخل الطويل، وعقارب كامثال البغال، ورأيت فيها سبعين الف بئر من الزمهرير.
ثم رأي الرسول أصناف
المعذبين، ورجالاً منقلبين علي وجوهم وعلي ظهرهم صخرة من نار والملائكة يضربونهم
بمقامع من نار لأنهم يؤتون الرجال دون النساء مثل قوم لوط. رجالاً ونساءً مصفدين بأصفاد من نار وجباهم
قد أسودت والحيات مطوقات بأعناقهم تلدغهم فتهري لحومهم ثم يعودون خلقاً جديدا
لأنهم كانوا يكنزون الذهب والفضة ولاينفقونها في سبيل الله. ورأيت أقواماً بين أيديهم لحم طيب ولحم
خبيثً وهم يأكلون اللحم الخبيث ويتركون اللحم الطيب لأنهم كانت لأحدهم (زوج أو زوجه) فيتركها ويميل الي الحرام (الزنا). ورأيت رجالاً ونساءً ردت أقبالهم ألي
أدبارهم، وأدبارهم إلي أقبالهم ومقامع النار ترشقهم والملائكة تسحبهم علي وجوههم
وكلما ضربوا تلهب في أجسادهم النار لأنهم يتكبرون علي الناس بغير الحق (عندما تكبر ابليس علي أدم تقطعت أجنحته
وخرج من الجنه ملعوناً). ورأيت رجالاً ونساءً سفاقيد النار تدخل في
أدبارهم وتخرج من أفواهم لأنهم كانوا همازون، نمامون، غمازون. ورأيت رجالاً يرمون بشهب من نار فتقع في
أفواهم وأبصارهم وتخرج من أقفيتهم لأنهم كانوا يبهتون الناس ويرمون بينهم الفتنة. ورأيت نساءً معلقات بشعورهن في شجرة الزقوم
والحميم يصب عليهن فيهرى لحومهن لأنهم كن يشربن الأدوية حتي يقتلن أولادهن خوفاً
من مطعهم ومشربهم وتربيتهم. رأيت نساءً مقيدات بقيود من نار وقد فتحت أفواههن
ولهيب النار يخرج من بطونهن لأنهن متن من غير توبة. ورأيت رجالاً ونساءً في السعير والنار لها
دوى في بطونهم تدخل من أدبارهم وتخرج من أفواهم لأنهم يأكلون أموال اليتامي
ظلماًإنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا. ورأيت رجالاً ونساءً يسقون من القيح
والصديد وكلما يحصل في أجوافم شيئ تتمزق جلودهم عن أجسادهم ثم يعودون خلقاً جديداً
لأنهم يأكلون الربا. رأيت رجالاً ونساءً رؤوسهم مغمورة في نار جهنم
ويصب عليهم الحميم والزمهرير يلفحهم فيهرى لحومهم لأنهم يلقون العداوه بين الناس.
- ثم صعدا الي السماء السادسة، ففتح لهم
الباب وقالوا مرحبا بك ومن معك، فدخلنا سماء (الخالصة) من ياقوتة خضراء بها ملكاً عظيماً جالسا
علي كرسي من نور نصفه من نور ونصفه من ثلج لايذيب إحداهما الاخروهو ينادي سبحان من
آلف بين الثلج والنار اللهم آلف بين قلوب عبادك المؤمنين علي طاعتك والملائكة تقول
أمين، ورأيت في السماء السادسة سيدنا موسي علية السلام كهلا طويلا كثير الشعر
وعلية مدرعة من صوف أبيض يتوكا علي عصا يكاد شعره يغطي جسده له لحية بيضاء علي
صدره، وصلي الرسول ركعتين.
- ثم صعدا الي السماء السابعة، ففتح لنا
الباب وقالوا مرحبا بك ومن معك، فدخلناسماء (العجيبة) من درة بيضاء لا يسمع فيها صرير الاقلام،
ورأيت في السماء السابعة آدم علية السلام شيخ حسن الوجه حسن الثياب جالس علي كرسي
من نور مسند ظهره الي البيت المعمورالممتلأ بالملائكة الروحانيون وهم يطوفون حول
البيت المعمور والبيت موجود من قبل خلق سيدنا آدم بالفي عام ويزورة كل يوم الف الف
وسبعون الف الف من الملائكة.
تقدم الرسول للصعود الى سدرة المنتهى بدون جبريل
الذي طلب فراق الرسول حتي لا يحترق أذا حاول رؤية عرش الله الذى يحملة ثمانية
ملائكة عظام، ثم هوى رسول الله ليقابل ربه سبحانه وتعالى ويتحدث معه من وراء حجاب. وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع
مقامًا بعد مقام وحجابًا بعد حجاب حتى انتهى إلى مقام تخلف عنه فيه جبريل، وقال
جبريل يا محمد ما منا إلَّا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت، وفي هذه الليلة
بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام وإلَّا فمقامي المعهود عند سدرة المنتهى، فمضى
النبي “صلى الله عليه وسلم” وحده حتى تجاوز سبعين ألف حجاب، وبين كل حجاب وحجاب
مسيرة خمسمائة سنة، فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف وذهب به إلى قرب العرش
ومنها ترقى حتى وصل إلى منزلة قاب قوسين أو أدنى، كما قال تعالى: (ثم دنا) أي دنا
محمد إلى ربه تعالى أي قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فإنه تعالى منزه عنه،
وإنما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة، (فتدنى) أي سجد لله تعالى؛ لأنه
كان قد وجد تلك المرتبة بالخدمة فزاد في الخدمة، وفي السجدة عدة القرب ولهذا قال صلى
الله عليه وسلم: أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجدًا.
وفى تلك الرحلة التى
فرض الله سبحانه وتعالى فيها على المسلمين خمسة اوقات للصلاة.وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ نُورٌ
أَنَّى أراه. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ. أن الله يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ
اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً
فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}؟ [الشورى: 51]. فالرسول لقد راى نور ربنا فقط من وراء
حجاب، ومِمَّا يؤكّد عدمَ رُؤْيَةِ النبيّ ربَّه كاملا بعينيه ليلة الإسراء حديثُ
أبي موسى؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله عزَّ وجلَّ لا ينام ولا ينبغي له
أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهار
وعَمَلُ النَّهارِ قبل عَمَلِ اللَّيْلِ، حجابه النور -وفي رواية أبي بكر: النَّار- لو كَشَفَهُ لأحرقتْ سُبُحاتُ وجْهِه ما
انتهى إليه بصرُه من خَلْقِه". وكذلك قوله (َفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى) [النجم: 12] (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ
الكُبْرَى) [النجم: 18]، ولو كان رآه بعينه لكان ذِكْرُ ذلك أولى".
ثم رجع رسولنا
الكريم إلى قومه في مكة حرم البيت الحرام وحكى لهم ما حدث، إلا أنها رحلة تعجز
عن تصديقها غير القلوب النقية المؤمنة فمنهم من كذبه ومنهم من أخذ
يناظره بالاسئلة “وعندما قالوا لصديقه”ابوبكر “صاحبك يدعى أنه أسرى به”، فقال
ابوبكر مقولته المأثورة “إنه صادق في ذلك أنا أصدقه في خبر السماء فكيف لا
اصدقه عن خبر الأرض“.فتلى رسول الله الى اصحابة اول سورة نزلت كاملة وهى تبين
رحلة الإسراء والعراج على ملكوت السماوات وهو قابل ربنا وارى كل الأيات الكبرى
والملائكة والأنبياء والجنة والنار وهلمجرا... فقال الحق في ذالك الحدث
(وَالنَّجْمِ...محمد رسول الله....إِذَا هَوَى...اى طار الى الأعلى...- مَا ضَلَّ
صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَى - عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى - ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى - وَهُوَ
بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى - ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى - فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ
أَدْنَى - فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى - مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا
رَأَى - أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى - وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى -
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى - عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى - إِذْ يَغْشَى
السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى - مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى - لَقَدْ رَأَى مِنْ
آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (سورة النجم 1 - 18).وهكذا بدأت سورة " النجم
" بالحديث عن مصداقية معراج النجم محمد صلى الله عليه وسلم، أي المعجزة
العظيمة التي حدثت لرسول الله تكريما له، وقد رأى فيها عجائب صنع الله وغرائب خلقه
في ملكوته العظيم الذي لا يحده حد. ففي الصحيح عن ابن مسعود أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم
فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد فأخذ رجل كفا من حصباء أو تراب فرفعه إلى
وجهه. وقال: يكفيني هذا. قال عبد الله:
فلقد رأيته بعد قتل
كافرا. وهذا الرجل أمية بن خلف.
وعن ابن عباس أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون.
فتح مكة المكرمة، لما
كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل، ومن أراد الدخول
في حلف قريش دخل، دخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في
عهد قريش، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من
خزاعة الثأر القديم، فأغاروا عليها ليلاً، فاقتتلوا، وأصابوا منهم، وأعانت قريش
بني بكر بالسلاح والرجال، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة، وأخبر النبي
صلى الله عليه وسلم بغدر قريش وحلفائها، وأرادت قريش تفادي الأمر، فأرسلت أبا
سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتهيؤ والاستعداد، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، كما
أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها، وفي رمضان من السنة الثامنة
للهجرة غادر الجيش الإسلامي المدينة إلى مكة، في عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري رضي الله عنه،
ولما كان بالجحفة لقي عمه العباس بن عبد المطلب، وكان قد خرج بأهله وعياله مسلماً
مهاجراً، وركب العباس بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، يبحث عن أحد
يبلغ قريشاً لكي تطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة،
وكان أبو سفيان ممن يخرج يتجسس الأخبار، فوجده العباس، فنصحه بأن يأتي معه ليطلب
له الأمان من رسول الله، فجاء به راكباً معه، حتى أدخله على رسول الله، فقال له
الرسول (ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟....ألم يأن لك
أن تعلم أني رسول الله) فقال العباس ويحك أسلم، فأسلم وشهد شهادة الحق، ثم أكرمه
الرسول فقال (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) رواه مسلم.
ولما تحرك الجيش
لدخول مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحبس أبا سفيان بمضيق
الوادي، حتى تمر به جنود الله فيراها، فمرّت القبائل على أبي سفيان، و العباس
يخبره بها، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، فيها
المهاجرون والأنصار، فقال أبو سفيان: سبحان الله ؟ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة.
ثم أسرع إلى قومه، وصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد، قد جاءكم فيما لا قبل
لكم به، فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد، ودخل رسول الله مكة متواضعاً لله
الذي أكرمه بالفتح، وكان قد وزع جيشه إلى مجموعات، أو كتائب احتياطاً لأي مواجهة،
ودخل الجيش الإسلامي كل حسب موضعه ومهامه، وانهزم من أراد المقاومة من قريش، ولم
يستطع الصمود أمام القوى المؤمنة التى نزلت ملائكة من السماء حاربوا مع جيش رسول
الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين وهى اكبر معجزة لرسول الله لقد شهد بها التاريخ
وساعد ذلك على دخول الإسلام الكثير من العرب وهنا قوله تبارك وتعالى يوصف نزول
ثلاثة الف من الملائكة وحاربوا مع جيش المسلمين وقاتلوا الكفار الشقاشق المغتصبين﴿
وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ
أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ
مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ
وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 123-126].وقال تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ
السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ
أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ
كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ
بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 9-12].
وروى مسلم في صحيحه
من حديث ابن عباس، وجاء فيه قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من
المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر
مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع،
فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة"، فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين. وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي - رضي الله عنه - وفيه: فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد
المطلب أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله، إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني
رجل أجلح من أحسن الناس وجها، على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: "اسكت فقد أيدك الله تعالى بملك كريم" فقال علي: فأسرنا من بني عبد المطلب العباس، وعقيلاً،
ونوفل بن الحارث. وروى الأموي بسنده إلى ثعلبة بن صعير قال: خفق النبي - صلى الله عليه وسلم - خفقة في العريش، ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل معتجر بعمامته،
آخذ بعنان فرسه، يقوده على ثناياه النقع، أتاك نصر الله وعدته
من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب".وروى أيضاً من حديث رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: "من أفضل المسملين" - أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة. من حديث علي - رضي الله عنه - قال: "قيل لعلي، ولأبي بكر يوم بدر: مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو قال: يشهد الصف.
من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب".وروى أيضاً من حديث رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: "من أفضل المسملين" - أو كلمة نحوها - قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة. من حديث علي - رضي الله عنه - قال: "قيل لعلي، ولأبي بكر يوم بدر: مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو قال: يشهد الصف.
وروى ابن جرير في
تفسيره من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما رؤي إبليس يوماً هو فيه أصغر، ولا أحقر،
ولا أدحر، ولا أغيظ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب،
إلا ما رأى جبريل يزع الملائكة. ومن حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "أمد الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بألف، فكان جبريل في خمسمائة
مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة. قال ابن كثير -ولما تنزلت الملائكة للنصر، ورآهم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - حين أغفى إغفاءة، ثم استيقظ، وبشر بذلك
أبا بكر، وقال: "أبشر يا أبا بكر، هذا
جبريل يقود فرسه على ثناياه النقع"، يعني من المعركة، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العريش في الدرع، فجعل يحرض على
القتال، ويبشر الناس بالجنّة، ويشجعهم بنزول الملائكة، والناس بعد على مصافهم لم
يحملوا على عدوهم، حصل لهم السكينة والطمأنينة، وقد حصل النّعاس الذي هو دليل على
الطمأنينة، والثبات والإيمان، كما قال تعالى: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً
مِنْهُ ﴾ [الأنفال: 11].
ثم دخل رسول الله
المسجد الحرام والصحابة معه بعد الإنتصار على جيش المشركين، فأقبل إلى الحجر
الأسود، فاستلمه، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بقوس في يده،
ويكسرها، ويقول (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً) (الإسراء:81)، (قل
جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) (سبأ: 49)، والأصنام تتساقط على وجوهها، ثم
طاف بالبيت، ثم دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت، فدخلها
فرأى فيها الصور فمحاها، وصلى بها، ثم خرج وقريش صفوفاً ينتظرون ما يصنع، فقال:
(يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم ؟) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (فإني
أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: (لا تثريب عليكم اليوم)اذهبوا فأنتم الطلقاء،
وأعاد المفتاح ل عثمان بن طلحة، ثم أمر بلالاً أن يصعد الكعبة فيؤذن، وأهدر رسول
الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ دماء تسعة نفر من أكابر المجرمين، وأمر بقتلهم وإن
وجدوا تحت أستار الكعبة، وفي اليوم الثاني قام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وألقى خطبته المشهورة، وفيها (إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام
بحرام الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحلل لي قط
إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل
لقطتها إلا لمنشد) رواه البخاري، وخاف الأنصار بعد الفتح من إقامة الرسول بمكة،
فقال لهم: (معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم) رواه مسلم. ثم بايع الرجال
والنساء من أهل مكة على السمع والطاعة، وأقام بمكة تسعة عشر يوماً، يجدد معالم
الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى، ويكسر الأصنام. وبهذا الفتح حصل خير كثير، فبه
أعز الله الإسلام وأهله، ودحر الكفر وأصحابه، وبه استنقذ مكة المكرمة، والبيت
العتيق من أيدي الكفار والمشركين، وبه دخل الناس في دين الله أفواجاً، وأشرقت
الأرض بنور الهداية، وهكذا يفعل الإسلام في أتباعه، ومع أعدائه، فهو دين الرحمة،
فهل يوجد دين يماثله، في قيمه ومبادئه وتعاليمه في السلم والحرب، إن الإسلام هو
دين الإنسانية جمعاء، وهي تحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
لقد أمن النبي صلى
الله عليه وسلم يوم فتح مكة كل من دخل المسجد أو أغلق عليه بابه، إلا أربعة أمر
بقتلهم ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، أخرج النسائي في سننه عن مصعب بن سعد عن
أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة
نفر وامرأتين، وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل
وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، فأما عبد الله بن
خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق
سعيد عماراً وكان أشب الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق
فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة أخلصوا فإن
آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا. فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا
الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهداً إن أنت عافيتني مما أنا
فيه أن آتي محمداً صلى الله عليه وسلم حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريماً
فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي
صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله بايع عبد الله قال فرفع رأسه فنظر إليه
ثلاثاً كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل
رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا وما يدرينا يا رسول
الله ما في نفسك هلا أومأت إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة
أعين. قال الشيخ الألباني: صحيح. والله أعلم.
الحكمة من إهدار دماء
بعض المشركين يوم الفتح، لقد ذكر ابن حجر في الإصابة أن عكرمة بن أبي جهل كان من
أشد الناس على النبي صلى الله عليه وسلم كأبيه، وذكر ابن كثير وغيره من أصحاب
السير أنه كان أحد رجالات قريش الذين سعوا في التخطيط لمعركة أحد وكلموا أبا سفيان
ومن كانت له تلك العير من قريش وطلبوا منهم الإعانة بمال العير على حرب النبي صلى
الله عليه وسلم ليدركوا منه ثأرهم وخرج بزوجته مع من خرجوا بزوجاتهم التماس
الحفيظة وأن لا يفروا، وكان على ميسرة الجيش القرشي يوم أحد، وكان من قادة
المشركين يوم الخندق وممن اقتحم بفرسه الخندق، وكان يحرض بني كنانة وبني قريظة على
القتال، وقد عفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأمنه لما استأمنته له زوجته أم
حكيم رضي الله عنها ثم أسلم، وكان من قادة المجاهدين في الجهاد بعد ذلك حتى أكرمه
الله بالشهادة في فتوح الشام، هذا وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد
ويأمر بما يراه صوابا ويعتبر حكمه الذي أقره الله عليه وحيا لأنه لا يقره الله
تعالى على باطل كما أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد كان صلى الله
عليه وسلم رحيما رفيقا حليما ولا ينتصر لنفسه ولكن عداء عكرمة وأشباهه من قريش لم
يكن عداء لشخص النبي صلى الله عليه وسلم فقط وإنما كان عداء للدين الذي جاء به فهو
قد عاش بينهم محبوبا محترما أربعين سنة وما ناصبوه العداء إلا بعد مجيئه بالوحي،
وقد قال له ورقة بن نوفل كما في البخاري: لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي،
وبناء عليه فإن شدته وإغلاظه المعاملة مع من حاربوا الدين أمر موافق للصواب وقد
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ، فقد كان صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ونبي الملحمة، وكل
من الرحمة والشدة في وقته المناسب له من الحكمة المحمودة.
كان الرسول يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول لهم مربيًا ومعلمًا: "لا
تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ". فالمسلم
بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسُنة النبي يكره
القتل والدماء، ومن ثَمّ فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنب
القتال وسفك الدماء، وفي آيات القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تؤيد هذا
المعنى جيدًا، وتوضح أن الإذن بالقتال لم يأتِ إلا بعد أن بُدئ المسلمون بالحرب،
وحينئذٍ فلا بد من الدفاع عن النفس والدين، وإلا كان هذا جُبنًا في الخُلُق،
وخَوَرًا في العزيمة، قال الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ
بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا
اللَّهُ) [الحج:39، 40].وعِلَّة القتال واضحة في الآية، وهي أن المسلمين ظُلِموا
وأُخرِجوا من ديارهم بغير حقٍ.ويقول جلا وعلا (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190]. يقول القرطبي رحمه الله: هذه الآية أول آية نزلت في
الأمر بالقتال، ولا خلاف في أن القتال كان محظورًا قبل الهجرة بقوله: (ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [فصلت:34]. وقوله: (َاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ)
[المائدة:13].
وما كان مثله مما نزل بمكة، فلما هاجر إلى المدينة أُمِرَ بالقتال.وان
الأمر بالقتال إنما جاء لمحاربة من يقاتلنا فقط، دون مَن سالمنا، وجاء التأكيد
الشديد على ذلك المعنى بقول الله تعالى(وَلا تَعْتَدُوا) [البقرة:190].ثم التحذير
للمؤمنين:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]. فالله لا يحب
الاعتداء، ولو كان على غير المسلمين، وفي هذا تحجيم كبير لاستمرار القتال، وهذا
فيه من الرحمة بالإنسانية جميعًا ما فيه.ويقول تبارك وتعالى في سورة التوبة أيضًا:
(وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) [التوبة:
36]. فالقتال هنا مقيَّد، وبحسب قتالهم واجتماعهم لنا؛ يكون فرضُ اجتماعِنا لهم.
وعِلَّة قتال المشركين كَافَّة أنهم يقاتلون المسلمين كافة والمشركين هم من بدءوا
العداوة للمسلمين اولا كما تبرهن كل اسباب الحروب، فإنه منهى ومحرم ولا يجوز
للمسلم أن يقاتل من لم يقاتله إلا بعلَّة واضحة، كسلب أو نهب أو اغتصاب لحقوق
المسلمين، أو بسبب ظلم أوقعوه بأحد، او مشروعية الدفاع عن النفس والدين والمسلمون
يريدون رفع هذا الظلم، أو بسبب المشركون منعهم للمسلمين من نشر دينهم، أو إيصال
هذا الدين للغير.
وهذه الآية لها دلالة خاصة؛ فهي من آيات سورة التوبة، وهي من أُخريات ما
نزل من القرآن، وتمت قراءتها في موسم الحج من العام التاسع للهجرة، وهذا يعني أنها
ليست منسوخة، ومن ثَمَّ فحكمها ثابت يقينًا، وما مَرَّ من أسباب كلها يدعو إلى
قتال هؤلاء المشركين، ومن الواضح أنهم إن لم يفعلوا هذه الأمور لم يكن قتالهم
جائزًا، وإذا كانت كل هذه استنباطات فإن واقع المسلمين في زمان الخلفاء الراشدين
بعد وفاة الرسول يصدق هذا الاختيار، فالمسلمون في فتوحاتهم لم يقاتلوا أو يقتلوا
كل المشركين الذين قابلوهم في هذه الفتوحات، بل على العكس لم يكونوا يقاتلون إلا
من قاتلهم من جيش البلاد المفتوحة، وكانوا يتركون بقية المشركين على دينهم.فهذا هو
واقع قرأناه بأنفسنا في كل الفتوح الإسلامية، وما وجدنا رجلا واحدًا قُتِلَ لمجرد
كونه مشركًا.ومما يؤكِّد أن المسلمين لم يكونوا يقاتلون إلا من قاتلهم؛ موقف
المسلمين من مشركي الحبشة، فالمسلمون لم يفكروا في حربهم في يوم من الأيام، وهذه
ظاهرة جديرة بالاهتمام وتؤيد ما ذهبنا إليه آنفًا من أن الحرب في الإسلام إنما هي
ضرورة، دُفِعَ إليها المسلمون، فقد كانت الحبشة قريبة نسبيًّا من المسلمين، وكانوا
على دراية بها وبأحوالها كلها، وعلى علم بالضعف الحربي الذي تعانيه إذا قِيست
بالفرس والروم، فلماذا –إذن– لم يحاربوها؟ ليس لذلك إلا جواب واحد؛ هو أنها لم
تحاربهم، ولم تُعِدَّ عدتها للقضاء عليهم، كما فعل غيرُها، بل إنها كفلت حرية
العبادة للمهاجرين الأوَّلين الذين فرُّوا إليها بدينهم، ثم لم يُعرَف في تاريخها
أنها عوَّقت الدعوة إلى الإسلام، أو نَكَّلَت بالدعاة، أو اضطهدت المسلمين، ولو أن
الحرب الإسلامية كانت للسيطرة، والجشع، والنهم على الفتح؛ لكانت الحبشة أول بلد
حاربه المسلمون
ومع أن أهداف القتال في الإسلام كلها كانت نبيلة وهى احقية ومشروعية فرض
الدين السماوى للناس واحقية إختيار الدين والعقيدة، ولم يكن رسول الله لم يكن
متشوِّفًا أبدًا لحرب الناس، ولا مشتاقًا لقتلهم، وذلك على الرغم من بدايتهم
للعدوان، وعداوتهم الظاهرة للمسلمين، وكان من أظهر الدلالات على ذلك أنه كان
يدعوهم إلى الإسلام قبل القتال. ولا ينبغي أن يفهم أحدٌ أنه يفعل ذلك ابتداءً،
فيبدو وكأنه إكراه على اعتناق الإسلام، فقد كان رسول الله يفعل ذلك عند تعيُّن القتال
فعلاً، فإذا حضر الفريقان إلى أرض القتال جعل للفريق المعادي فرصة أخيرة لتجنب
إراقة الدماء، وهذه من أبلغ صور الرحمة؛ لأن الفريق المعادي مستباح الدم الآن،
والعفو عنه غير متوقع، كما أن الرسول كان يفعل ذلك والقوة في يده، ويستطيع بكلمة
واحدة أن يبيد من أمامه، ولكنَّه يرحمهم! وهذا الخلق الرائع من إنشاء الإسلام الذي
لم يستبح الغدر بأحد قبل إعلامه؛ فجعل الدعوة قبل القتال لازمةً، وتلك قمة لم تسمُ
إليها أمة من الأمم من قبل الإسلام أو بعده. فما زال أهل الأديان الأخرى يغدرون
بعدوهم، ويتحينون فرصة؛ ليبيدوه ويستحلُّوا حرماته، بينما لم يقاتل النبي قومًا
قَطُّ إلا بعد أن دعاهم إلى الله تعالى".وعندما أرسل النبي عليَّ بن أبي طالب
إلى خيبر أوصاه قائلاً: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ
بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ
عَلَيْهِمْ؛ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلا خَيْرٌ لَكَ مِنْ
أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ".فالرسول في هذا الموقف وهو القائد
وكان من المتوقع أن يُلهِبَ حماسة جنده، راح يهدّئ من حماسة علي ويأمره ومَنْ معه
بالهدوء في الأمر، كما هو واضح في قوله: "انفذ على رِسْلِك" ويأمرهم
بدعوة هؤلاء القوم إلى الإسلام، وما يجب عليهم نحو الله I،
ثم هو يخبرهم بالأجر العظيم المترتب على هداية فرد واحد، مما يجعل همَّ الكتيبة
المسلمة ليس القتل وسفك الدماء؛ وإنما هداية البشر إلى الله تعالى حتى ينالوا هذا
الأجر العظيم والثواب الجزيل من رب العالمين.
وقد يقول قائل، طالما أنَّ الرسول ليس متشوفًا إلى المعارك والحروب فلماذا
هذا العدد الكبير من الغزوات والسرايا في حياته؟ ونحن نقول: نعم.. لقد غزا رسول
الله بنفسه الشريفة غزوات عديدة، وأرسل سرايا وبعوثًا كثيرة، ولكنَّه لم يكن في
جميع غزواته أو سراياه بادئًا بقتال، أو طالبًا لدنيا، أو جامعًا لمال، أو راغبًا
في زعامة، أو موسعًا لحدود دولة أو مملكة؛ بل كل ذلك كان هداية للناس، وتحريرًا
للعقول، ورفعًا للظلم، وربطًا للناس برب العالمين بأعلى أساليب العفة والشرف
والنُبْل، مما جعل هذه الغزوات أنموذجًا للتعامل الدولي في الحروب والأسارى، وقد
تنوع فيها أعداؤه وتعددت دياناتهم ومشاربهم، فمنهم الوثني، واليهودي، والنصراني.
فمن دراسة الأسباب التي أَدَّت إلى هذه الحروب مع كل فئة من هذه الفئات يتضح لنا
عن يقين أن الرسول لم يبدأ أحدًا بحرب ولا قتال، وإنما دُفِعَ إلى ذلك دفعًا لينشر
حق مشروعية الدعوة بالدين الإلهى الإسلامى الإبراهيمى الحنيف لكافة الكفار
المتعصبين بدينهم الذى لم ينزل به الله من سلطان.
بعث الله النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وأيّده الله تعالى بالمعجزة
الباقية الخالدة وهو القرآن الكريم، الذي شُهِد له بفصاحته ألدّ خصومه بأنّه كلام
سماويّ وليس بكلام البشر، فنزل القرآن على مدى ثلاث وعشرين سنة مفرقاً منها 16 سنة
في مكة و7 سنين في المدينة حتّى يتمكّن من قلوب الصحابة قولاً وعملاً، فكانت الآية
تنزل عليهم فيحفظونها، ثمّ توضع موضع التطبيق مع الالتزام بها كما أمر الله، بعد
ذلك ينتقلون للآية الأخرى، فتكون قد ثبتت قولاً وعملاً. قد تكفل الله تعالى بحفظ
هذا القرآن بنفسه فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ)الحجر/9.قال ابن جرير الطبري في تفسيره (14/8): يقول تعالى ذكره إنا نحن
نزلنا الذكر وهو القرآن وإنا له لحافظون قال وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه
باطل ما ليس منه أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه اه. وكَّل النبي
صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة الأمناء الفقهاء حتى يكتبوا الوحي، وهم ما
عرفوا في تراجمهم بكتاب الوحي كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن عمرو بن العاص
ومعاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وكانوا يكتبون
آيات القرآن في صحائف كبيرة من جلد رق الغزال حجمها 5565X
سم، وهو كتاب المصحف العثمانى وبه ختم سيدنا علي ابن ابى طالب وبه دم سيدنا عثمان
بن عفان عندما قتل وهو كتاب رق منشور وموجود ومنشور في جميع امصار العالم لليوم
ولقد كانت لى بعض الورقات منه في لندن ومعى منه نسخة اصلية وهو من كنوز الكعبة
التى سرقت في عهد تولى آل سعود بلد الله الحرام وانا من اخرجت هذا الكنز من
المافيا العربية السعودية في لندن سنة 1992وهو الكتاب الذى قسم به الله تعالى في
قوله (وَالطُّورِ، وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ، فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ- الطور 4) وبقي
القرآن متواترا ومحفوظا في صدور الرجال وجلد رق الصحف إلى يوم القيامة وكان هذا من
حفظ الله تعالى لكتابه مصداقاً لقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون-الحجر / 9).
وجاء في رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى "المقوقس"- عظيم
القبط بمصر- سنة 7ه، 628م:"إن لك دينًا- [أي النصرانية]- لن تدعه إلا لما هو
خير منه، وهو الإسلام، الكافي به الله ما سواه وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة
عيسى بمحمد، وما دعاؤنا لك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولسنا
ننهاك عن دين المسيح، ولكننا نأمرك به. فقبل المقوقس ما امره به النبى صلى الله
عليه وسلم وعرف بأنه خاتم النبيين ونبى مرسل من عند الله تعالى فارسل له هدايا
وجارية قبطية مسيحية مصرية فتزوجها النبى صلى الله عليه وسلم في المدينة وهى تبيان
قوله تعالى...وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك.....وهى السيدة مارية القبطية
اهداها له المقوقس ملك مصر المسيحى الكريم ومعها ذهب وعسل وبغل فهى مما أفاء الله
عليه، يعنى هدية من الله تعالى، وربنا ذكر في القرآن بأن النبى لقد دفع عقد النكاح
لكل زوجاتة الأربعة ومنعه بعدم التبديل باى زوجه واحدة والتبديل لا يكون إلا في
الأربعة زوجات المحللات في الكتاب و(لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من
أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا -الأحزاب 52)
فهذا دليل ربانى بان ربنا منع النبى بان يبدل بزوجاتة الأربعة فقط بزوجة اخرى فتب
على من كذب على رسول الله بانه تجاوز حدود الأربعة زوجات المحللات في كتاب الله
فذالكم إفك وضع وتحريف والقرآن ذكر في تبيان سورة الأحزاب المدنية ثلاثة زوجات فقط
تزوجهم النبى وواحدة في سورة النور وهى السيدة عائشة الزوجة الرابعة له فقال الحق
(يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن...1- السيدة عائشة وهى
مذكورة بسورة النور لقصة الإفك تزوجها النبى في السنة الثانية بعد الهجرة للمدينة
وكانت في عمر 23 سنة وكانت مخطوبة من قبله الى جُبيْر بن المُطْعم بن عُديّ هذا
دليل حازم بأن السيدة عائشة كانت إمراة ناضجة...2-وما ملكت يمينك مما افاء الله
عليك.....وهى السيدة مارية القبطية اهداها له ملك مصر المسيحى الكريم ومعها ذهب
وعسل وبغل فهى مما أفاء الله عليه يعنى هدية من الله تعالى وسياق ملكت اليمين لا
تعنى السريه والعبده بل تعنى في الجاهلية ملكت الجماع وهى الزوجة وربنا امر
المسلمين بتحرير رقاب العبيد والسبى في اربعة سور قرآنية ومعروف في السيرة بان
النبى الكريم الرؤف الرحيم لقد انفق معظم ماله الذى ورثه من زوجته الثرية السيدة
خديجة في شراء وعتق العبيد في سبيل الله وإشترى زيد وتبناه وزوج له بنت عمته زينب
بنت جحش! فيجب على كل المسلمين الحنفاء بأن يصدقوا قول تبيان الله تعالى بان النبى
صلى الله عليه وسلم لم يخالف امر الله في تحليل الزوجات الأربعة فقط مثنى وثلاث
ورباع.فكل ما ورد في اثر اهل السنة والشيعة الضالين ومشركين بأحكام وبدع وقصص
واهية تخالف ما انزل الله في الكتاب بان النبى تجاوز حدود الله في التزوج بالنساء
فكل كذب ووضع الشيطان ومن شارك امهاتهم المنافقين فلا تصدقوا بان النبى خالف امر
الله بالبته وهو القائل لنا لا تتصدقوا اى حديث روى عنه مخالف لأمر الله القرآنى
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتى منى قولا مخالف للكتاب لآنه حجة الله
على خلقه).
قكانت اخر حجة للنبي صلى الله عليه وسلم هى حجة الوداع وبينما هو هناك ينزل
قول الله عز وجل (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
ديناً) فبكى ابو بكر الصديق رضى الله عنه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم” ما
يبكيك في الآية” فقال: “هذا نعي رسول الله عليه السلام”. ورجع الرسول من حجة
الوداع وقل الوفاة بتسعة ايام نزلت اخر آية في القرآن (واتقوا يوماً ترجعون فيه
إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون). وبدأ الوجع يظهر على الرسول صلى
الله عليه وسلم فقال اريد ان ازور شهداء احد، فراح لشهداء احد ووقف على قبور
الشهداء وقال: السلام عليكم يا شهداء احد انتم السابقون ونحن انشالله بكم لاحقون
واني بكم انشالله لاحق. وهو راجع بكى الرسول فقالوا: “ما يبكيك يا رسول الله”
قال:” اشتقت لأخواني” قالوا: “اولسنا اخوانك يا رسول الله ” قال: “لا انتم اصحابي
اما اخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني”. وقبل الوفاة بثلاث ايام بدأ
الوجع يشتد عليه وكان ببيت السيدة ميمونة فقال: “اجمعوا زوجاتي” فجمعت الزوجات
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:“أتأذنون لي ان امر ببيت عائشة فقلن آذنا لك يا
رسول الله”. فأراد ان يقوم فما استطاع فجاء علي بن ابي طالب والفضل بن العباس
فحملوا النبي فطلعوا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة السيدة عائشة فالصحابة اول
مرة يروا النبي محمول على الايادي فتجمع الصحابة وقالوا: “مالِ رسول الله مالِ
رسول الله” وتبدأ الناس تتجمع بالمسجد ويبدأ المسجد يمتلأ بالصحابة ويحمل النبي
إلى بيت عائشة فيبدأ الرسول يعرق ويعرق ويعرق وتقول السيدة عائشة:” انا بعمري لم
ارى أي انسان يعرق بهذه الكثافة” فتأخذ يد الرسول وتمسح عرقه بيده، (فلماذا تمسح
بيده هو وليس بيدها) تقول عائشة: “ان يد رسول الله اطيب واكرم من يدي فلذلك امسح
عرقه بيده هو وليس بيدي انا”.
فهذا تقدير للنبي، وتقول السيدة عائشة فأسمعه يقول: “لا إله الا الله ان
للموت لسكرات، لا إله إلا الله ان للموت لسكرات” فكثر اللفظ أي (بدأ الصوت داخل
المسجد يعلو) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما هذا؟” فقالت عائشة: “ان الناس
يخافون عليك يا رسول الله” فقال: “احملوني إليهم” فاراد ان يقوم فما استطاع، فصبوا
عليه سبع قرب من الماء لكي يفيق فحمل النبي وصعد به الى المنبر فكانت اخر خطبة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر
كلمات لرسول الله صلى الله عليه وسلم واخر دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال النبي: “ايها الناس كأنكم تخافون علي” قالوا: “نعم يارسول الله” فقال الرسول
صلى الله عليه وسلم: “ايها الناس موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض،
والله ولكأني انظر اليه من مقامي هذا، ايها الناس والله ما الفقر اخشى عليكم ولكني
اخشى عليكم الدنيا ان تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما اهلكتهم”
ثم قال صلى الله عليه وسلم: “ايها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة”
تعني (حلفتكم بالله حافظواعلى الصلاة) فظل يرددها ثم قال: “ايها الناس اتقوا الله
في النساء، اوصيكم بالنساء خيرا”ً ثم قال: “ايها الناس ان عبداً خيّره الله بين
الدنيا وبين ما عند الله فأختار ما عند الله” فما احد فهم من هو العبد الذي يقصده
فقد كان يقصد نفسه ان الله خيّره ولم يفهم سوى ابو بكر الصديق وكان الصحابة
معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كأنه على رؤوسهم الطير.
فلما سمع ابو بكر كلام الرسول فلم يتمالك نفسه فعلا نحيبه (البكاء مع
الشهقة) وفي وسط المسجد قاطع الرسول وبدأ يقول له: “فديناك بأبائنا يا رسول الله
فديناك بأمهاتنايا رسول الله فديناك بأولادنا يا رسول الله فديناك بأزواجنا يا
رسول الله فديناك بأموالنا يا رسول الله” ويردد ويردد فنظر الناس إلى ابو بكر
شظراً (كيف يقاطع الرسول بخطبته) فقال الرسول: “ايها الناس فما منكم من احد كان له
عندنا من فضل الا كافأناه به الا ابو بكر فلم استطع مكافأته فتركت مكافأته إلى
الله تعالى عز وجل كل الابواب إلى المسجد تسد إلا ابواب ابو بكر لا يسد ابدا” ثم
بدأ يدعي لهم ويقول اخر دعوات قبل الوفاة: “اراكم الله حفظكم الله نصركم الله
ثبتكم الله ايدكم الله حفظكم الله” واخر كلمة قبل ان ينزل عن المنبر موجه للأمه من
على منبره “ايها الناس اقرءوا مني السلام على من تبعني من امتي إلى يوم القيامة”
وحُمل مرة اخرى إلى بيته. دخل عليه وهو بالبيت عبد الرحمن ابن ابو بكر وكان بيده
سواك فظل النبي ينظر إلى السواك ولم يستطع ان يقول اريد السواك فقالت عائشة “فهمت
من نظرات عينيه انه يريد السواك فأخذت السواك من يد الرجل فأستكت به (أي وضعته
بفمها) لكي الينه للنبي واعطيته اياه فكان اخر شي دخل إلى جوف النبي هو ريقي”(ريق
عائشة) فتقول عائشة: “كان من فضل ربي عليّ انه جمع بين ريقي وريق النبي قبل ان
يموت”.ثم دخلت ابنته فاطمة فبكت عند دخولها. بكت لأنها كانت معتادة كلما دخلت على
الرسول وقف وقبلها بين عينيها ولكنه لم يستطع الوقوف لها فقال لها> الرسول:
“ادني مني يا فاطمة” فهمس لها بأذنها فبكت ثم قال لها الرسول مرة ثانية: “ادني مني
يا فاطمة” فهمس لها مرة اخرى بأذنها فضحكت فبعد وفاة الرسول سألوا فاطمة “ماذا همس
لك فبكيتي وماذا همس لك فضحكت!” قالت فاطمة: “لأول مرة قال لي يا فاطمة اني ميت
الليلة. فبكيت! ولما وجد بكائي رجع وقال لي: انت يا فاطمة اول أهلي لحاقاً بي.
فضحكت!” ثم قال الرسول: “اخرجوا من عندي بالبيت” وقال “ادني مني يا عائشة” ونام
على صدر زوجته السيدة عائشة فقالت السيدة عائشة: “كان يرفع يده للسماء ويقول (بل
الرفيق الاعلى بل الرفيق الأعلى).
فعرفت من خلال كلامه انه يُخّير بين حياة الدنيا او الرفيق الأعلى”. فدخل
الملك جبريل على النبي وقال: “ملك الموت بالباب ويستأذن ان يدخل عليك وما استأذن
من احد قبلك” فقال له “إذن له يا جبريل” ودخل ملك الموت وقال: “السلام عليك يا
رسول الله أرسلني الله اخيرك بين البقاء في الدنيا وبين ان تلحق بالله ” فقال
النبي: “بل الرفيق الاعلى بل الرفيق الاعلى” وقف ملك الموت عند رأس النبي (كما
سيقف عند رأس كل واحد منا) وقال: “ايتها الروح الطيبة روح محمد ابن عبدالله اخرجي
إلى رضى من الله ورضوان ورب راضي غير غضبان” تقول السيدة عائشة: “فسقطت يد النبي
وثقل رأسه على صدري فقد علمت انه قد مات” وتقول “ما ادري ما افعل فما كان مني الا
ان خرجت من حجرتي إلى المسجد حيث الصحابة وقلت مات رسول الله مات رسول الله مات
رسول الله فأنفجر المسجد بالبكاء فهذا علي إبن أبي طالب أُقعد من هول الخبر، وهذا
عثمان بن عفان كالصبي يأخذ بيده يميناً ويساراً وهذا عمربن الخطاب قال: اذا احد قال
انه قد مات سأقطع راسه بسيفي انما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه اما أثبت
الناس كان ابو بكر رضى الله عنه فدخل على النبي وحضنه وقال واخليلاه واحبيباه
وابتاه وقبّل النبي وقال: طبت حياً وطبت ميتاً فخرج ابو بكر رضى الله عنه إلى
الناس وقال: من كان يعبد محمد فمحمد قد مات من كان يعبد الله فان الله باقي حي لا
يموت ثم خرجت ابكي وابحث عن مكان لأكون وحدي وابكي لوحدي. هذه هي النهاية.
بدأت الخِلافة الإسلامية بالخليفَة الأول أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه،
وهو أول الخُلفاء الرّاشِدين، واستمّرت خلافَته إلى جمادى الآخرة سنة ١٣ للهجرة،
فبعد وفاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلّم، انقسم الناس فَجَعاً بوفاته صلى الله عليه
وسلّم، فثبَّت الله تعالى أبا بكر الصِّديق، وبعد أن تأكَّد من وفاة النبي صلى
الله عليه وسلّم خرج إلى الناس وخطب فيهم قائلاً: (أما بعد، فمن كان يعبد محمداً فإن
محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثم تلا قول الله عز وجل:
وما محمدٌ إلّا رسولٌ قد خلَت من قبله الرُّسل أفإن مات أو قُتِل انقلبتم على
أعقابكم) صدق الله العظيم، فهدّأ الناس، حتى عمر كأنه يسمع هذه الآية لأول مرة، ثم
اتفق الجميع على تسليم أبي بكر الصديق زِمام أمورَ المُسلمين.وعندما استلم أبو بكر
الخِلافة كانت رِدَّة بعض المسلمين من أكثرِ الفتن التي تعرّضت لها الأمة
الإسلاميّة، ولكن على الرّغم من هذه الفِتنة إلّا أنَّ أبا بكر قرر أن يُكمِل ما
بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلّم قبل وفاته، حيث كان يريد إرسَال جيشٍ إلى بلادِ
الروم بقيادة أسامة بن زيد، وكان لإنفاذ جيش أسامة الأثر الكبير في نفوس المُسلمين
وتثبيتهم، حيث إنّهم انتصروا على الروم وعادوا سالمين مما زاد من قوّتهم عند
الناس، ثم قام أبو بكرٍ بإرسال الجيوش إلى أنحاء الجزيرة ِلمحاربة المُرتدين، وقد
نجَحوا جميعاً في القضاء عليهم وإعلاء كلمة الله تعالى.بعد المعارك التي خاضَها
الصحابة ضِد المرتدين استشهد الكثير ممن كانوا يحفظون القرآن الكريم، فخاف عمر بن
الخطاب من استشهاد جميع الحفظة، فأشار على أبي بكر الصِّديق في جمع القرآن الكريم،
وبعد أن شَرَح الله تعالى صدره للأمر أمر بجمع القرآن الكريم، وتم تكليف زيد في
الأمر، ثم بدأ أبو بكر الصديق بإرسال الجيوش إلى مختلف البِقاع لفتحها وإعلاء كلمة
الله تعالى فيها.
الخليفة الثانى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه تولّى الخِلافة من بعدِ أبي
بكر الصِّديق عُمَر بن الخطّاب رضي الله عنه، حيث إنَّ أبا بكرٍ قبل وفاتِه
استَخلفَه وعَرَض استِخلافهَ على النَّاس، وبعد وفاتِه بايَع الناَّس عمرَ بن
الخطَّاب، واستمرت خلافته حتى سنة ٢٣ للهجرة.بعد تولي عمر بن الخَطّاب الخِلافة
استمرت الفتوحات الإسلاميّة لمختلف بِقاع الأرض، ومن أهم الفتوحات كان فتح القدس،
كما تم فتح دمشق ومصر وغيرها الكثير، وقد ساد العدل في أيام عمر بن الخطاب، حيث
كان يتمنى أن يموت في ساحة المعركة لكن إرادة الله فوق كل شيء فقد مات على فراشه
بسبب طعنه من قِبَل أبي لؤلؤة المجوسي.
الخليفة الثالث عثمان بن عفّان رضي الله عنه بعد عمر بن الخطّاب استلم
زِمام أمور المُسلِمين الخليفةَ عثمان بن عفّان حتى سنة ٣٥ للهجرة، وعثمان ملّقب
بذي النورين لأنه تزوّج من ابنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلّم. وكعادة
الخلفاء السابِقين أكملَ عثمان بن عفان بَعْث الجيوش لفتح البلاد الغير مسلمة
ويعلّمهم الإسلام.كما قام بنسخ المُصحف الذي تم جَمعه في عهد أبو بكر الصديق وأرسل
نسخةً إلى البِلاد الإسلاميَة المُختلفة.
الخليفة الرابع الخاتم علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه بعد مقتَل عثمان بن
عفّان بايَع الناس علي بن أبي طالبٍ خليفةً للمسلمين كلّهم إلّا معاوية بن أبي
سفيان في الشام، وكان علي كارهاً لهذه البيعة رافضاً لها، وما قبلها إلا لإلحاح
الصحابة عليه، وفي ذلك يقول رضي الله عنه: (ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت
نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحي ممن تستحي منه
الملائكة"، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد،
فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم
عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صدع قلبين،
وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى) وظهرت الكثير من الفتن التي فرّقت بين
المسلمين وذهب ضحيتها الكثير من الأرواح، كما ظهر الخوارِج في عهد علي بن أبي
طالبٍ. واستمرت خلافَته رضي الله عنه حتى سنة ٤٠ للهجرة حيث قام رجُلان من
الخَوارِج بقتلِه في العراق الكوفة قبَيْل صلاة الفَّجرِ بينما كان خارجاً ليوقِظ
الناَّس للصَّلاة.
لقد قرآت في بعض ورثتنا لكتب الأشراف آل البيت المصرين الجعافرة في السودان
قصة وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يتولى الخلافة الإسلامية من بعده وقيل لقد
اتت الى النبى صلى الله عليه وسلم إعرابية في المدينة في أوآخر زمانه، تريد ان
تستشيره في بعض امورها الخاصة، فقالت له إنى اسكن في بلدة بعيده واكاد ان افقدك اى
يمكن ان تموت...فمن استشير بعدك يا رسول الله ؟ فقال رسول الله، او ليس غير ابى
بكر الصديق، فقالت له ثم من بعده؟ فقال أليس غير عمر بن الخطاب، فقالت له ثم من
بعده، فقال اليس غير عثمان ابن عفان، فقامت المراة وودعت النبى صلى الله عليه وسلم
وذهبت، فكانت السيدة عائشة زوج رسول الله تسمع الحديث الذى دار بينهما، فقالت
السيدة عائشة للنبى صلى الله عليه وسلم ثم من بعد عثمان يا رسول الله ؟ فقال الذى
واقف على الباب وسياتى داخل في الحين ! فاتى معاوية بن ابى سفيان داخل، وهو من
كتاب الوحى من كانوا يكتبون الوحى القرآنى مع النبى صلى الله عليه وسلم، وكما
معروف في تنظيم الدولة الإسلامية كانت كتاب الوحى تدخل على النبى بدون ان يؤذن
لهم، فهنا لقد جزمت السيدة عائشة بأن الذى يرث الخلافة الإسلامية بعد عثمان بن
عفان هو معاوية بن ابى سفيان، وهى لقد اخطئت في الراى، فكان على بن ابى طالب على
الباب ينتظر الإذن في الدخول على النبى صلى الله عليه وسلم، م فدخل على بن ابى
طالب بعد معاوية بن ابى سفيان كاتب الوحى، فلهذا السبب ايدت السيدة عائشة تولى
الخلافة الإسلامية لمعاوية بعد سيدنا عثمان بن عفان ووقفت معه في الحرب (حرب الجمل
– حرب صفين سنة 26 هجرية) ضد الإمام على بن ابى طالب، ولحقت بمعاوية في الشام
لتؤيده بانه هو الوصى بخلافة رسول الله من بعد عثمان بن عفان، فسيدنا على بن ابى
طالب لقد بين لها للسيدة عائشة انها لقد اخطأت في التحكيم بان وصى الخلافة بعد
عثمان ليس معاوية بل هو من كان على الباب وهو من دخل الديوان بعد معاوية، ومعاوية
لا يؤذن له بالدخول لأنه من كتاب الوحى فكان كل كتاب الوحى يدخلون على النبى بدون
إذن، فقالت له سامحنى يا ابو الحسن فإننى صاحبت الفتنة الكبرى والحرب بين
المسلمين.
ولقد تم وقوع السيدة عائشة أم المؤمنين تحت الأسر في معركة الجمل فأسرها
علي ابن ابى طالب وأرسلها الى مكة مع أخيها محمد بن أبي بكر الذي حارب إلى جانبه،
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة من الفتنة، ومن الخروج، بعد أن
بين لها بالتفصيل: (أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، التي تنبحها كلاب الحوأب، لا
تكونيها يا حميراء). وأن عائشة رضي الله عنها لما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت
الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب
الحوأب". فقال لها الزبير: ترجعين!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس.
وقد أرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة
والجماعة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت:
أي بني الإصلاح بين الناس.وروى ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
أنه قال يوما لنسائه، وهن جميعا عنده: (أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب
الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلهم في النار، وتبحوا بعدما كادت) فمن
اجل ذالك السبب وقفت السيدة عائشة ضد سيدنا علي واشعلت الحرب.
وعندما استلم علي بن أبي طالب الحكم، امتنع معاوية بن أبي سفيان وأهل الشام
عن مبايعته خليفة للمسلمين حتى يقتص من قتلة عثمان، فأرسل علي بن أبي طالب، جرير
بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه للمبايعة، و عندما قدم جرير إلى الشام،
أستشار معاوية عمر بن أبي العاص، فأشار إليه بجمع أهل الشام و الخروج نحو العراق
للمطالبة بالقصاص من قتلة عثمان ومحاربة علي وجيشة، أخرج علي بن أبي طالب في اليوم
الأول، الأشتر النخعي على رأس مجموعة كبيرة من الجيش، وأخرج معاوية بن أبي سفيان،
حبيب بن مسلمة مع مجموعة كبيرة من جيشه، ودارت الحرب بين الفريقين بشدة منذ الصباح
وحتى المغرب، وقُتل الكثير من الفريقين، لمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات
جيش علي على جيشه، وقد قرب منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته، دعا عمرو بن العاص
إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات.فقام عمرو بن العاص بخدعة، حيث دعا جيش
معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكم بينهم، ليدعوا
جيش علي إلى التوقف عن القتال ويدعون علياً إلى حكم القرآن.وفعلاً جاء زهاء عشرين ألف
مقاتل من جيش علي حاملين سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود،
يتقدّمهم عصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج فيما بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة
المؤمنين: "يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دُعيت، وإلاّ قتلناك كما
قتلنا ابن عفّان، فوالله لنفعلنّها إن لم تجبهم". فأجابهم علي: "ويحكم
أنا أوّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَن أجاب إليه". فقالوا: "فابعث
إلى الأشتر ليأتيك"، وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر
معاوية ليدخله، فأصرّوا على رأيهم، وكان أمير المؤمنين في هذا الموقف أمام خيارين:
فإما المضي بالقتال، ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل معاوية.
وإما القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً. فقبل علي بن أبي طالب التحكيم وترك
القتال مكرها. فتعاهدوا على ذلك، واتفقوا على ألا ينقض أحد عهده، وأنهم سوف يذهبون
لقتلهم، أو يموتون، وتواعدوا أن يقتلوهم شهر رمضان، وكتموا الأمر عن الناس جميعًا
إلا القليل، ومن هؤلاء القليل من تاب وحدّث بهذا الأمر. وتوقف القتال وأذن علي
بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق أسرى
الفريق الآخر وعاد كل إلى بلده.قُتل من الطرفين خلال المعركة سبعون ألف شهيد، فمن
أصحاب معاوية بن أبي سفيان قتل خمسة وأربعون ألفاً، ومن أصحاب علي بن أبي طالب
خمسة وعشرون ألفاً.
اجتمع الحكمان في دومة الجندل بأذرح، وكان عمرو بن العاص المفاوض من قبل
جيش معاوية بن أبي سفيان، وأبو موسى الأشعري المفاوض من قبل جيش علي بن أبي طالب،
فقال علي بن ابى طالب لمعاوية ان الإختلاف هو بينى وبينك ولحقن دماء المسلمين من
الطرفين فليخرج له معاوية ليقاتلة او ان يخرج له الخوارج فارسهم ليقاتلنى والفائز
هو من سيتولى الحكم لولاية المسلمين ، فقال عمرو بن العاص لأرى احسن من هذا الرآى
فاخرج يا معاوية لتقاتل علي ؟ فرفض معاوية الخروج لمقاتلة علي وقال لعمرو بن العاص
تخرج لتقاتلة انت وانت اشجع الفرسان بيننا وانت من اشعلت هذه الحرب بين المسلمين،
فخرج عمرو بن العاص لمقاتلة علي بن ابى طالب، فهجم علية علي بن ابى الب واسقطه من
فرسه على الأرض ليقتلة، ففر عمرو بن العاص من علي وخلع له سرواله، وهى إشارة
الهزيمة والإستسلام لعلي بأن لا يقتله، فلم يقتلة علي بن ابى طالب وتوقف القتال
وأذن علي بالرحيل إلى الكوفة، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام، وأمر كل منهما بإطلاق
أسرى الفريق الآخر وعاد الكل إلى بلده.
فبعد وفاةِ ومقتل الأمام علي بن أبي طالبٍ في العراق الكوفة بايَع أهل
المَدينة الحَسن بن علي على تولى الخلافة الإسلامية وهو خامس الخلافاء الراشدين،
إلّا أنه تنازَل عنها لمعاوية بن أبي سُفيان لحقنا دِماء المُسلِمين، قال الحسن
رضى الله عنه (أني لن أخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي) ومن
هنا بدأت الخِلافة الأموية، واستمرت خلافة مُعاوية حتى عام ٦٠ للهجرة.وكان معاوية
فقيهاً وصاحِب وِجهة نظرٍ، فهو صاحِب فكرة إنشاء أسطولٍ بحريٍّ إسلاميّ زمن
الخليفة عثمان بن عفان، وعاد الأمن إلى بلادِ المسلمين من جديد، وحاول أنْ ينقل
الحُكم لابنه يزيد قبل وفاتِه فدبَّ الخِلاف مع الحسن والحسين بتِرك أمور الخِلافة
لمشورة المُسلمين. فمعاوية عندما أصبح خليفة بعد استشهاد خليفة المسلمين الشرعي
علي بن ابي طالب عقد صلحاً مع الامام الحسن بن علي وهذا الصلح به عدة شروط منها أن
ترجع الخلافة بعد موته للإمام الحسن بن علي فأن حدث به حدث فلأخية الحسين.. ولكن
بعد قتل الإمام الحسن بدس السم من قبل تحريض اليزيد بن معاوية وأستخلاف يزيد بعد
موت لمعاوية ابية، فثار الامام الحسين ضد اليزيد وذلك لعدة اسباب أهمها. أن الحسن
أشترط في الصلح تولي الخلافة له أو أخية الحسين بعد معاوية وهذا لم يحدث أذ تسلمها
ولده يزيد بعد موته وبهذا فأن الحسين بخروجه على يزيد كان صحيحا من حيث المبدأ هذا
أولا، وثانياً ان أن يزيد ليس اهلاً للحكم لأنه مشهور بالفسق والمجون وأصبح حكم
المسلمين وراثياً (دكتاتورياً) وهذه حقيقة.
بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد بن معاوية وهم لا يريدون يزيد بن
معاوية بل ولا يريدون معاوية، لا يريدون إلا عليا وأولاده رضي الله تبارك وتعالى
عنهم، فأرسلوا الكتب إلى الحسين بن علي كلهم يقولون في كتبهم: إنا بايعناك ولا
نريد إلا أنت، وليس في عنقنا بيعة ليزيد بل البيعة لك، وتكاثرت الكتب على الحسين
بن علي حتى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب كلها جاءته من أهل الكوفة يدعونه إليهم إنهم
سيقفون معه ضد الناصب للولاية من آل بيت النبوة اليزيذ بن معاوية بن ابى سفيان،
عند ذلك أرسل الحسين بن علي ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب لتقصي الأمور هناك
وليعرف حقيقة الأمر وجليته، فلما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة صار يسأل حتى علم أن
الناس هناك لا يريدون يزيد بل الحسين بن علي و نزل عند هانئ بن عروة، وجاء الناس
جماعات ووحدانا يبايعون مسلم بن عقيل على بيعة الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنهم
أجمعين.وكان النعمان بن بشير أميرا على الكوفة من قبل يزيد بن معاوية فلما بلغه
الأمر أن مسلم بن عقيل بين ظهرانيهم وأنه يأتيه الناس ويبايعونه للحسين أظهر كأنه
لم يسمع شيئا ولم يعبأ بالأمر، حتى خرج بعض الذين عنده إلى يزيد في الشام وأخبروه
بالأمر، وأن مسلما يبايعه الناس وأن النعمان بن بشير غير مكترث بهذا الأمر، أمر
يزيد بعزل النعمان بن بشير، وأرسل عبيد الله بن زياد أميرا على الكوفة وكان أميرا
على البصرة فضم له الكوفة معها ليعالج هذا الأمر، بعد أن استقرت الأمور وبايع كثير
من الناس لمسلم بن عقيل، أرسل إلى الحسين أن أقدم فإن الأمر قد تهيأ، فخرج الحسين
بن علي رضي الله عنهما في يوم التروية، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج بأربعة آلاف
وحاصر قصر عبيد الله وخرج أهل الكوفة معه، وكان عند عبيد الله في ذلك الوقت أشراف
الناس فقال لهم خذلوا الناس عن مسلم بن عقيل، ووعدهم بالعطايا وخوفهم بجيش الشام،
فصار الأمراء يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل، فما زالت المرأة تأتي وتأخذ ولدها،
ويأتي الرجل ويأخذ أخاه، ويأتي أمير القبيلة فينهى الناس، حتى لم يبق معه إلا
ثلاثون رجلا من أربعة آلاف ! وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده، ذهب كل الناس
عنه، وبقي وحيدا يمشي في دروب الكوفة لا يدري أين يذهب، فطرق الباب على امرأة من
كندة، فقال لها: أريد ماء، فاستغربت منه ثم قالت له: من أنت؟ فقال: أنا مسلم بن
عقيل وأخبرها الخبر وأن الناس خذلوه، وأن الحسين سيأتي؛ لأنه أرسل إليه أن أقدم
فأدخلته عندها في بيت مجاور، وأتته بالماء والطعام ولكن ولدها قام بإخبار عبيد
الله بن زياد بمكان مسلم بن عقيل، فأرسل إليه سبعين رجلا فحاصروه فقاتلهم وفي
النهاية استسلم لهم عندما أمنوه، فأخذ إلى قصر الإمارة الذي فيه عبيد الله بن
زياد، فلما دخل سأله عبيد الله عن سبب خروجه هذا؟. فقال: بيعة في أعناقنا للحسين
بن علي قال: أو ليست في عنقك بيعة ليزيد؟
قال له: إني قاتلك. قال: دعني أوصي. قال: نعم أوص. فالتفت فوجد عمر بن سعد
بن أبي وقاص، فقال له: أنت أقرب الناس مني رحما تعال أوصيك، فأخذه في جانب من
الدار وأوصاه بأن يرسل إلى الحسين بأن يرجع، فأرسل عمر بن سعد رجلا إلىالحسين
ليخبره بأن الأمر قد انقضى، وأن أهل الكوفة قد خدعوه. وقال مسلم كلمته المشهورة:
(ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب
رأي).
قتل عند ذلك مسلم بن عقيل في يوم عرفة وكان الحسين قد خرج من مكة في يوم
التروية قبل مقتل مسلم بن عقيل بيوم واحد.وكان كثير من الصحابة قد حاولوا منع
الحسين بن علي من الخروج وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله
بنعمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن الزبير، وأخوه محمد بنالحنفية.
كل هؤلاء لما علموا أن الحسين يريد أن يخرج إلى الكوفة نهوه..وهذه أقوال بعضهم:
- عبد الله بن عباس: قال للحسين لما أراد الخروج: لولا أن يزري بي وبك
الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أترك تذهب.(البداية والنهاية 8/161).).
- ابن عمر قال الشعبي: كان ابن عمر بمكة فبلغه أنالحسين قد توجه إلى العراق
فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال: أين تريد؟
قال: العراق، وأخرج له الكتب التي أرسلت من العراق يعلنون أنهم معه وقال:
هذه كتبهم وبيعتهم، (قد غروه رضي الله عنه).
قال ابن عمر: لا تأتهم، فأبى الحسين إلا أن يذهب.فقال ابن عمر: إني محدثك
حديثا، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار
الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها
الله عنكمإلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع فاعتنقه عبد الله بن عمر وبكى وقال: «
أستودعك الله من قتيل »(البداية والنهاية 8/162).
- عبد الله بن الزبير: قال للحسين: أين تذهب؟! تذهب إلى قوم قتلوا أباك
وطعنوا أخاك. لا تذهب فأبىالحسين إلا أن يخرج.(البداية والنهاية8/163).
- أبو سعيد الخدري: قال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح وإني عليكم مشفق، قد
بلغني أنه قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج
إليهم، فإني سمعت أباك يقول في الكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني
وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم
نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف.(البداية والنهاية 8/163).).
وممن أشار على الحسين بعدم الخروج من غير الصحابة: الفرزدق الشاعر:: وذلك
بعد خروج الحسين لقي الفرزدق الشاعر، فقال له: من أين؟ قال من العراق، قال: كيف
حال أهل العراق؟ قال: قلوبهم معك، وسيوفهم مع بني أمية. فأبى إلا أن يخرج وقال:
الله المستعان.(البداية والنهاية 8/168)..
وبلغ الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول الذي أرسله عمر بن سعد، فهم
الحسين أن يرجع فكلم أبناء مسلم بن عقيل، فقالوا: لا والله لا نرجع حتى نأخذ بثأر
أبينا، فنزل على رأيهم، وبعد أن علم عبيد الله بن زياد بخروج الحسين أمر الحر بن
يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل مقدمة ليلقى الحسين في الطريق، فلقيالحسين قريبا من
القادسية.
فقال له الحر: إلى أين يا ابن بنت رسول الله؟! قال: إلى العراق. قال: فإني
آمرك أن ترجع وأن لا يبتليني الله بك، ارجع من حيث أتيت أو اذهب إلى الشام إلى حيث
يزيد لا تقدم إلى الكوفة.فأبى الحسين ذلك ثم جعل الحسين يسير جهة العراق، وصار
الحر بن يزيد يعاكسه ويمنعه.فقال له الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك.فقال الحر بن
يزيد: والله لو قالها غيرك من العرب لاقتصصت منه ومن أمه، ولكن ماذأا أقول وأمك
سيدة نساء العالمين.
وقف الحسين في مكان يقال له « كربلاء »، فسأل ما هذه؟ قالوا: كربلاء.فقال:
(كرب وبلاء)ولما وصل جيش عمر بن سعد وعددهأربعة آلاف كلم الحسين وأمره أن يذهب معه
إلى العراق حيث عبيد الله بن زياد فأبى.ولما رأى أن الأمر جد قال لعمر بن سعد:إني
أخيرك بين ثلاثة أمور فاختر منها ما شئت.قال: وما هي؟ قال: أن تدعني أرجع، أو أذهب
إلى ثغر من ثغور المسلمين، أو أذهب إلى يزيد حتى أضع يدي في يده بالشام. فقال عمر
بن سعد: نعم أرسل أنت إلى يزيد، وأرسل أنا إلى عبيد الله بن زياد وننظر ماذا يكون
في الأمر، فلم يرسلالحسين إلى يزيد وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد.
فلما جاء الرسول إلى عبيد الله بن زياد وأخبره الخبر وأن الحسين يقول:
أخيركم بين هذه الأمور الثلاثة، رضي ابن زياد أي واحدة يختارها الحسين، وكان عند
عبيد الله بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن، وكان من المقربين من ابن زياد
فقال: لا والله حتى ينزل على حكمك.فاغتر عبيد الله بقوله فقال: نعم حتى ينزل على
حكمي. فقام عبيد الله بن زياد بإرسال شمر بن ذي الجوشن، وقال: اذهب حتى ينزل على
حكمي فإن رضي عمر بن سعد وإلا فأنت القائد مكانه.وكان ابن زياد قد جهز عمر بن سعد
بأربعة آلاف يذهب بهم إلى الري، فقال له: اقض أمر الحسين ثم اذهب إلى الري، وكان
قد وعده بولاية الري.فخرج شمر بن ذي الجوشن، ووصل الخبرللحسين، وأنه لابد أن ينزل
على حكم عبيد الله بن زياد فرفض وقال: لا والله لا أنزل على حكم عبيد الله بن زياد
أبدا.
وكان عدد الذين مع الحسين اثنين وسبعين فارسا، وجيش الكوفة خمسة آلاف، ولما
تواقف الفريقان قال الحسين لجيش ابن زياد: راجعوا أنفسكم وحاسبوها، هل يصلح لكم
قتال مثلي؟ وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة. وصار يحثهم على
ترك أمر عبيد الله بن زياد والانضمام إليه فانضم للحسين منهم ثلاثون، فيهم الحر بن
يزيد التميمي الذي كان قائد مقدمة جيش عبيد الله بن زياد.فقيل للحر بن يزيد: أنت
جئت معنا أمير المقدمة والآن تذهب إلى الحسين!
فقال: ويحكم والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار على الجنة
ولو قطعت وأحرقت..بعد ذلك صلى الحسين الظهر والعصر من يوم الخميس، صلى بالفريقين
بجيش عبيد الله بن زياد وبالذين معه، وكان قال لهم: منكم إمام ومنا إمام. قالوا:
لا، بل نصلي خلفك، فصلوا خلف الحسين الظهر والعصر، فلما قرب وقت المغرب تقدموا
بخيولهم نحو الحسين وكان الحسين محتبيا بسيفه فلما رآهم وكان قد نام قليلا قال: ما
هذا؟! قالوا: إنهم تقدموا فقال: اذهبوا إليهم فكلموهم وقولوا لهم ماذا يريدون؟فذهب
عشرون فارسا منهم العباس بنعلي بن أبي طالب أخو الحسين فكلموهم وسألوهم، قالوا:
إما أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد وإما أن يقاتل.قالوا: حتى نخبر أبا عبد
الله، فرجعوا إلىالحسين رضي الله عنه وأخبروه، فقال: قولوا لهم: أمهلونا هذه
الليلة وغدا نخبركم حتى أصلي لربي فإني أحب أن أصلي لربي تبارك وتعالى، فبات ليلته
تلك يصلي لله تبارك وتعالى ويستغفره ويدعو الله تبارك وتعالى هو ومن معه رضي الله
عنهم أجمعين.
وقعة الطف (سنة 61 ه) في صباح يوم الجمعة شب القتال بين الفريقين لما رفض
الحسين أن يستأسر لعبيد الله بن زياد، وكانت الكفتان غير متكافئتين، فرأى أصحاب
الحسين أنهم لا طاقة لهم بهذا الجيش، فصار همهم الوحيد الموت بين يدي الحسين بن
علي رضي الله عنهما، فأصبحوا يموتون بين يدي الحسين رضي الله عنه الواحد تلو الآخر
حتى فنوا جميعا ولم يبق منهم أحد إلا الحسين بن علي رضي الله عنه. وولده علي بن
الحسين كان مريضا.وبقي الحسين بعد ذلك نهارا طويلا، لا يقدم عليه أحد حتى يرجع لا
يريد أن يبتلى بقتله رضي الله عنه، واستمر هذا الأمر حتى جاء شمر بن ذي الجوشن
فصاح بالناس ويحكم ثكلتكم أمهاتكم أحيطوا به واقتلوه، فجاءوا وحاصرواالحسين بن علي
فصار يجول بينهم بالسيف رضي الله عنه حتى قتل منهم من قتل وكان كالسبع، ولكن
الكثرة تغلب الشجاعة.وصاح بهم شمر: ويحكم ماذا تنتظرون؟! أقدموا. فتقدموا إلى
الحسين فقتلوه رضي الله عنه، والذي باشر قتل الحسين سنان بن أنس النخعي، وحز رأسه
رضي الله عنه وقيل: شمر، قبحهما الله.وبعد أن قتل الحسين رضي الله عنه حمل رأسه
إلى عبيد الله في الكوفة فجعل ينكت به بقضيب كان معه يدخله في فمه، ويقول: إن كان
لحسن الثغر، فقام أنس بن مالك وقال: والله لأسوأنك؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. (المعجم الكبير للطبراني5/206 رقم 5107)، وانظر
«صحيح البخاري »: حديث 3748).) قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن قتل الحسين ثم
أدخلت الجنة استحييت أن أمر على النبي صلى الله عليه وسلم فينظر في وجهي(المعجم
الكبير 3/112 رقم 2829 وسنده صحيح:
قتل من أبناء علي بن أبي طالب: الحسين نفسه، وجعفر والعباس، وأبو بكر،
ومحمد، وعثمان.ومن أبناء الحسين: عبد الله، وعلي الأكبر غير علي زين العابدين. ومن
أبناء الحسن: عبد الله والقاسم وأبو بكر.ومن أبناء عقيل: جعفر، وعبد الله، وعبد
الرحمن، وعبد الله بن مسلم بن عقيل، ومسلم بن عقيل كان قد قتل بالكوفة.ومن أولاد
عبد الله بن جعفر: عون ومحمد.(تاريخ خليفة بن خياط 234.) ثمانية عشر رجلا كلهم من
آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلوا في هذه المعركة غير المتكافئة. وعن ابن
عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه
قارورة فيها دم يلتقطه، قلت، يا رسول الله ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل
أتتبعه منذ اليوم.قال عمار راوي ذلك الحديث: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم
»(فضائل الصحابة 2/778 رقم 1380 وإسناده صحيح).والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «
من رآني في المنام فقد رآني »(متفق عليه). والذي أمر بقتل الحسين عبيد الله بن
زياد ولكن لم يلبث هذا أن قتل، قتله المختار بن أبي عبيد انتقاما للحسين، وكان
المختار ممن خذل مسلم بن عقيل.فكان الحال بالنسبة لأهل الكوفة أنهم أرادوا أن
ينتقموا من أنفسهم؛ لأنهم أولا: خذلوا مسلم بن عقيل حتى قتل ولم يتحرك منهم أحد.
وثانيا: لما خرج الحسين لم يدافع أحد منهم عنه إلا ما كان من الحر بن يزيد التميمي
ومن معه، أما أهل الكوفة فإنهم خذلوه خذلهم الله. ولذلك تجدهم يضربون صدورهم
ويفعلون ما يفعلون للتكفير عن تلك الخطيئة التي ارتكبها آباؤهم كما يزعمون(وجيش
المختار الذي انتقم للحسين سمى نفسه (جيش التوابين) اعترافا منهم بتقصيرهم تجاه
الحسين، وهذا بداية ظهور سبل الشيعة كمذهب سياسي لم ينزل به الله من سلطان القرآن.
No comments:
Post a Comment